والثالث: حين دنوا إلى باب الجنة، واغتسلوا بماء الحياة، ونظروا إلى الجنة قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾.
والرابع: حين دخلوا الجنة، واستقبلتهم الملائكة بالتحية قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ [....] الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾.
والخامس: حين استقروا في منازلهم قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾.
والسادس: كلما فرغوا من الطعام قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)﴾.
والفرق بين الحمدين مع كون نعمتي الدنيا والآخرة على طريق التفضل (١): أن الأول: على نهج العبادة، والثاني: على وجه التلذذ، كما يتلذذ العطشان بالماء البارد لا على وجه الفرض والوجوب. وقد ورد في الخبر: "أنهم يلهمون التسبيح، كما يلهمون النفس" والمعنى: أنَّ الحمد في الدنيا عبادة، وفي الآخرة تلذذ وابتهاج؛ لأنه قد انقطع التكليف فيها.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي أحكم أمور الدين والدنيا والآخرة، ودبَّرها حسبما تقتضيه الحكمة، وتستدعيه المصلحة ﴿الْخَبِيرُ﴾؛ أي: بليغ الخبرة والعلم ببواطن الأشياء ومكنوناتها.
٢ - ثم بيَّن كونه خبيرًا بقوله: ﴿يَعْلَمُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا يَلِجُ﴾ ويدخل ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ من البذور والغيث، ينفذ في موضع، وينبع من آخر، ومن الكنوز والدفائن، والأموات، والحشرات، والهوام، ونحوها. وأيضًا: يعلم ما يدخل في أرض البشرية بواسطة الحواس الخمس، والأغذية الصالحة والفاسدة من الحلال والحرام، ﴿و﴾ يعلم ﴿مَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾؛ أي: من الأرض، كالحيوان من حجره، والزرع والنبات، وماء العيون، والغازات، والمعادن التي مضى عليها آلاف السنين، ومخلفات الأمم ومصنوعاتهم؛ كمخلفات المصريين القدماء، ونقوش آشور وبابل، وعجائب أهل سبأ وصناعاتهم، مما استخرجه علماء العاديات من الأوروبيين في القرن الماضي، والعصر الحاضر، ولا يزالون كل يوم يكشفون جديدًا يدل على أن

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon