الشرق كان ذا مدنيَّة وحضارة لا يدانيها أعظم ما يوجد في الغرب الآن في أرقى ممالكه، وكالأموات عند الحشر ونحوها، وأيضًا: يعلم ما يخرج من أرض البشرية من الصفات المتولدة منها، والأعمال الحسنة والقبيحة.
﴿و﴾ يعلم ﴿مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ كالملائكة، والكتب، والمقادير، والأرزاق، والبركات، والأمطار، والثلوج، والبرد، والأنداء، والشهب، والصواعق ونحوها.
وأيضًا: يعلم ما ينزل من سماء القلب من الفيوض الروحانية، والإلهامات الربانية.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَنْزِلُ﴾ بفتح الياء وتخفيف الزاي مسندًا إلى ﴿مَا﴾. وقرأ علي بن أبي طالب والسلمي بضم الياء وتشديد الزاي مسندًا إلى الله سبحانه.
﴿و﴾ يعلم ﴿مَا يَعْرُجُ﴾ ويصعد ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في السماء، كالملائكة والأرواح الطاهرة، والأبخرة والأدخنة، والدعوات، وأعمال العباد، والطائرات والمطاود الجوية، وأيضًا: يعلم ما يعرج في سماء القلب من آثار الفجور والتقوى، وظلمة الضلالة، ونور الهدى. ولم (٢) يقل: إليها؛ لأن قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى هو المنتهى لا السماء، ففي ذكر ﴿فِي﴾ إعلام بنفوذ الأعمال فيها، وصعودها منها إليه تعالى.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الرَّحِيمُ﴾ للحامدين، ولمن تولاه ﴿الْغَفُورُ﴾ للمقصِّرين، ولذنوب أهل ولايته؛ أي: وهو مع كثرة نعمه، وسبوغ فضله، رحيمٌ بعباده، فلا يعاجل بعقوبة، غفورٌ لذنوب التائبين إليه، المتوكلين عليه.
فإذا كان الله متصفًا بالخلق والملك (٣)، والتصرف والحكمة، والعلم والرحمة، والمغفرة، ونحوها من الصفات الجليلة.. فله الحمد المطلق، والحمد: هو الثناء على الجميل الاختياري من جهة التعظيم من نعمة وغيرها، كالعلم والكرم، وأما قولهم: الحمد لله على دين الإِسلام، فمعناه: على تعليم الدين

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon