وتوفيقه، والحمد القولي: هو حمد اللسان وثناؤه على الحق بما أثنى به نفسه على لسان أنبيائه، والحمد الفعلي هو الإتيان بالأعمال الصالحة البدنية ابتغاءً لوجه الله تعالى، والحمد الحاليُّ هو الاتصاف بالمعارف والأخلاق الإلهية، والحمد عند المحنة: الرضى عن الله فيما حكم به، وعند النعم: الشكر، فيقال في الضراء: الحمد لله على كل حال، نظرًا إلى النعمة الباطنة دون الشكر لله خوفًا من زيادة المحنة؛ لأن الله تعالى قال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، والحمد على النعمة، كالروح للجسد، فلا بد من إحيائها، وأبلغ الكلمات في تعظيم صنع الله، وقضاء شكر نعمته: الحمد لله، ولذا جعلت زينة لكل خطبة، وابتداءٍ لكل مدحة، وفاتحةً لكل ثناء، وفضيلةً لكل سورة، ابتدئت بها على غيرها. وفي الحديث: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم"؛ أي: أقطع فله الحمد قبل كل كلام بصفات الجلال والإكرام.
قال في "فتوح الحرمين":

أَحْسَنُ مَا اهْتَمَّ بِهِ ذَوُوْ الْهِمَمِ ذِكْرٌ جَمِيْلٌ لِوَليِّ النِّعَمِ
٣ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ المراد بهؤلاء القائلين: جنس الكفرة على الإطلاق، أو كفار مكة على الخصوص، ومعنى قوله: ﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾ أنها لا تأتي بحال من الأحوال إنكارًا منهم لوجودها، لا لمجرد إتيانها في حال تكلمهم، أو حال حياتهم، مع تحقق وجودها فيما بعد، وعبَّر عن القيامة بالساعة تشبيهًا لها بالساعة التي هي جزء من أجزاء الزمان؛ لسرعة حسابها. قال في "الإرشاد": أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة، لا أنفسهم أو معاصرهم فقط، كما أرادوا بنفي إتيانها وجودها بالكلية، لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر، وإنما عبروا عنه بذلك؛ لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها، ولأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا تكون إلا بالإتيان والحضور، وردَّ الله سبحانه عليهم، وأمر رسوله أن يقول لهم: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد ﴿بَلَى﴾ ردٌّ لكلامهم، وإثبات لما نفوه من إتيان الساعة على معنى ليس الأمر إلا إتيانها ﴿وَرَبِّي﴾ الواو فيه للقسم، أتى به لتأكيد الإتيان؛ أي: أقسمت بربي، ومالك أمري ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ الساعة ألبتة، وهو تأكيد لما قبله.


الصفحة التالية
Icon