قرأ الجمهور (١): ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ بتاء التأنيث؛ أي: لتأتينكم الساعة التي أنكرتم مجيئها، وقرأ طلق المعلم عن أشياخه بياء الغيبة على معنى: ليأتينكم البعث؛ لأنه مقصودهم من نفي الساعة؛ أي: أنهم لا يبعثون، أو على معنى: ليأتينكم يوم القيامة، أو على إسناده إلى الله على معنى: ليأتينكم أمر عالم الغيب على حد قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾؛ أي: أمره، ويبعد أن يكون الضمير للساعة لأن إجراء المؤنث المجازي مجرى المذكر لا يكون إلا في الشعر نحو قوله:
وَلَا أرْضٌ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
ثم بعد أن أكد الجواب بالقسم على البعث، أتبع القسم بقوله: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ وما بعده ليعلم أنَّ إتيانها من الغيب الذي تفرد به سبحانه وتعالى، وجاء القسم بقوله: ﴿وَرَبِّي﴾ مضافًا إلى الرسول ليدل على شدة القسم؛ إذ لم يأت به في الاسم المشترك بينه وبين من أنكر الساعة، وهو لفظ الله.
وقرأ نافع وابن عامر ورويس وسلام والجحدري وقعنب: ﴿عالم﴾ بالرفع على إضمار: هو، وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون مبتدأ، والخبر ﴿لَا يَعْزُبُ﴾ وقال الحوفي: أو خبره محذوف؛ أي: عالم الغيب هو، وقرأ باقي السبعة: ﴿عَالِمِ﴾ بالجر على أنه بدل من ﴿رَبِّي﴾، أو نعت له. وقرأ ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ﴿علام﴾ على المبالغة والخفض، وقوله: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ تشديد للتأكيد بالقسم، كما مر، يريد (٢) أن الساعة من الغيوب، والله عالم بكلها، والغيب: ما غاب عن الخلق على ما قال بعضهم: العلقة: غيب في النطفة، والمضغة: غيب في العلقة، والإنسان: غيب في هذا كله، والماء: غيب في الهواء، والنبات: غيب في الماء، والحيوان: غيب في النبات، والإنسان: غيب في هذا كله، والله سبحانه وتعالى قد أظهر من هذه الغيوب، وسيظهره بعدما كان غيبًا في التراب. وفائدة الأمر باليمين: أن لا يبقى للمعاندين عذرٌ أصلًا لما أنهم كانوا يعرفون أمانته ونزاهته عن وصمة الكذب، فضلًا عن اليمين الفاجرة، وإنما لم يصدقوه مكابرة، وهذا الكفر والتكذيب طبيعة النفوس الكاذبة المكذبة، فمن وكله الله بالخذلان إلى طبيعة نفسه.. لا يصدر منه إلا الإنكار، ومن نظره الله إلى قلبه بنظر العناية.. فلا يظهر

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon