منه عند سماع قوله: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ إلا الإقرار والنطق بالحق.
ومعنى قوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ تعالى؛ أي: لا يبعد عن علمه، ولا يغيب، ولا يستتر عليه ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾؛ أي: وزن نملة صغيرة، أو مقدار الهباء كائنة ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾، وفيه إشارة إلى علمه بالأرواح والأجسام ﴿وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ﴾ المثقال ﴿وَلَا أَكْبَرُ﴾ منه. ورفعهما على الابتداء، فلا وقف عند ﴿أَكْبَرُ﴾، والخبر: قوله تعالى: ﴿إِلَّا﴾ هو مسطور ومثبت ﴿فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ هو اللوح المحفوظ المظهر لكل شيء، وإنما كتب جريًا على عادة المخاطبين، لا مخافة نسيان، وليعلم أنه لم يقع خللٌ وإن أتى عليه الدهر، والجملة مؤكدة لنفي العزوب، والمعنى: إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ الذي اشتمل على معلومات الله تعالى.
فإن قيل: فأيُّ حاجة إلى ذكر الأكبر، فإن مَنْ علم الأصغر من الذرة لا بدَّ وأن يعلم الأكبر؟
فالجواب: أن المراد من هذا الكلام بيان إثبات الأمور في الكتاب، فلو اقتصر على الأصغر.. لتوهم متوهم أنه يثبت الصغائر؛ لكونها محل النسيان، وأمَّا الأكبر.. فلا ينسى، فلا حاجة إلى إثباته فقال: الإثبات في الكتاب ليس كذلك، فإن الأكبر مكتوب فيه أيضًا. اهـ "كرخي".
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَعْزُبُ﴾ بضم الزاي، وقرأ يحيى بن وثاب بكسرها، قال الفراء: والكسر أحبُّ إليَّ، وهما لغتان يقال: عزب يعزب بالضم، ويعزب بالكسر: إذا بعد وغاب. وقرأ الجمهور: ﴿وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾ برفع الراءين بالرفع على الابتداء، والخبر ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾، كما مرَّ، أو على العطف على ﴿مِثْقَالُ﴾، ويكون ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ تأكيدًا لما تضمن النفي في قوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ تقديره: لكنه في كتاب مبين، وهو كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به، فكأنه في كتاب وليس ثَمَّ كتاب حقيقة، وعلى التقدير الأول: الكتاب هو اللوح المحفوظ.
وقرأ قتادة والأعمش بفتح الراءين عطفًا على ﴿ذَرَّةٍ﴾ أو على أن ﴿لَا﴾ هي لا

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon