التبرئة التي يبنى اسمها على الفتح. وقرأ زيد بن علي: ﴿ولا أصغرِ من ذلك ولا أكبرِ﴾ بخفض الراءين بالكسرة، كأنه نوى مضافًا إليه محذوفًا، التقدير: ولا أصغره، ولا أكبره، ومن ذلك ليس متعلقًا بأفعل، بل هو بتبيين؛ لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظًا، فبينه بقوله: ﴿مِنْ ذَلِكَ﴾.
قيل: قوله: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ إشارة إلى علمه بالأرواح، ﴿وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ إشارة إلى علمه بالأشباح، وكما أبرزهما من العدم إلى الوجود أولًا.. فكذلك يعيدهما ثانيًا.
قيل: سبب نزول هذه الآية (١): أن أبا سفيان قال لكفار مكة - لما سمعوا ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ -: إن محمدًا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت، ويخوفنا بالبعث، واللاتِ والعزى لا تأتينا الساعة أبدًا، ولا نبعث، فقال الله: قل يا محمد: ﴿بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾، قاله مقاتل. وباقي السورة تهديد لهم وتخويف، ومن ذكر هذا السبب ظهرت به المناسبة بين هذه السورة، والسورة التي قبلها.
ومعنى الآية: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الخ: أي (٢): وقال الذين ستروا ما أرشدتهم إليه عقولهم من البراهين الدالة على قيام الساعة: إنه لا رجعة بعد هذه الدنيا، ولا بعث ولا حساب، إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما نحن بمبعوثين، وقد أمر الله رسوله أن يرد عليهم مؤكدًا لهم بطلان ما يدعون: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾؛ أي: قل لهم إنها وربي لآتية لا ريب فيها.
وهذه الآية إحدى آياتٍ ثلاث أمر الله فيها رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد حين أنكره من أنكر من أهل الشرك والعناد:
فإحداهن: في سورة يونس: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)﴾.
وثانيتها: في سورة التغابن: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧)﴾.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon