وثالثتها: ما هنا.
ثم وصف المولى نفسه بكامل العلم، وعظيم الإحاطة بالموجودات، مما يؤكِّد إمكان البعث، فقال: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ الخ؛ أي: إن وقت مجيئها لا يعلمه سوى علام الغيوب الذي لا يغيب عن علمه شيء في السموات، ولا في الأرض، من ذرة فما دونها، ولا ما فوقها، أين كانت، وأين ذهبت، فكل ذلك محفوظ في كتاب مبين، فالعظام وإن تلاشت، واللحوم وإن تفرقت وتمزقت، فهو عالم أين ذهبت، وأين تفرقت، فيعيدها كما بدأها أول مرة، وهو بكل شيء عليم،
٤ - ثم بَّين الحكمة في إعادة الأجسام، وقيام الساعة بقوله:
﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، واللام (١) فيه علة لقوله: ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾، وبيان لما يقتضي إتيانها، فاللام للعلة عقلًا، وللمصلحة والحكمة شرعًا؛ أي: إتيان الساعة فائدته ومصلحته وحكمته: جزاء المؤمنين بالثواب، والكافرين بالعقاب. والإشارة بقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ للموصول؛ أي: أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم؛ أي: لهم بسبب ذلك الإيمان والعمل الصالح مغفرة؛ أي: ستر ومحو لما صدر عنهم مما لا يخلو عنه البشر ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ لا تعب فيه، ولا منَّ عليه، وهو الجنة، بخلاف رزق الدنيا، فإنه لا يأتي إلا بتسبب وتعب.
والمعنى (٢): أي يبعثهم الله سبحانه من قبورهم يوم القيامة ليثيب الذين آمنوا بالله، وعملوا بما أمرهم به، وانتهوا عما نهاهم عنه، وأولئك لهم مغفرة لذنوبهم من لدنه، وعيش هنيء في الجنة، لا تعب فيه، ولا منَّ عليه.
والخلاصة: أنَّ الحكمة تقتضي وجودها، وليس هناك مانع منها، فالعلم المحيط بالغيب موجود، فقد وجد المقتضي لوجودها، وارتفع المانع من إتيانها.
٥ - ثم ذكر فريق الكافرين الذين يعاقبون عند إتيان الساعة، فقال: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا﴾ واجتهدوا ﴿فِي﴾ إبطال ﴿آيَاتِنَا﴾، وحججنا وأدلتنا التكوينية، أو التنزيلية المنزلة على الرسل بالرد والطعن فيها، وصدِّ الناس عن التصديق بها حالة كونهم ﴿مُعَاجِزِينَ﴾؛
(٢) المراغي.