أي: ظانين ومقدِّرين أنهم يعجزوننا، ويفوتوننا؛ لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور، فيكون لهم ثواب وعقاب.
قال في "البحر": ظانين في زعمهم وتقديرهم أنهم يفوتوننا، وأن كيدهم للإسلام يتم لهم.
قرأ الجمهور (١): ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ مخففًا. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال: ﴿معجِّزين﴾ مثقلًا؛ أي: مثبطين للناس عن الإيمان بالآيات، مدخلين عليهم العجز في نشاطهم، وهذا هو معنى سعيهم في شأن الآيات، أو معجزين قدرة الله في زعمهم.
﴿أُولَئِكَ﴾ الساعون ﴿لَهُمْ﴾ بسبب ذلك ﴿عَذَابٌ﴾ عظيم ﴿مِنْ رِجْزٍ﴾؛ أي: من سيء العذاب، فـ ﴿مِنْ﴾ للبيان، ﴿أَلِيمٌ﴾ بالرفع صفة ﴿عَذَابٌ﴾؛ أي: شديد الإيلام. وفي "المفردات": أصل الرجز: الاضطراب، وهو في الآية كالزلزلة، والظاهر (٢) أن قوله: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا﴾ مبتدأ، والخبر في الجملة الثانية، وهي ﴿أُولَئِكَ﴾، وقيل: ومنصوب عطفًا على ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾، والمعنى عليه: أي وليجزي الذين سعوا في إبطال أدلتنا وحججنا عنادًا منهم، وكفرًا، وظنوا أنهم يسبقوننا بأنفسهم، فلا نقدر عليهم بشديد العذاب في جهنم، وبئس المهاد؛ لما اجترحوا من السيئات، ودسوا به أنفسهم من قبيح الأعمال.
وإجمال ذلك: أن الساعة آتية لا ريب فيها؛ لينعم السعداء المؤمنون، ويعذِّب الأشقياء الكافرون.
قرأ الجمهور: ﴿أَلِيمٌ﴾ بالجر صفة لـ ﴿رِجْزٍ﴾. وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم بالرفع صفة لـ ﴿عَذَابٌ﴾، ونحو الآية قوله: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)﴾، وقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)﴾.
٦ - ثم استشهد باعتراف أولي العلم ممن آمن من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار وأضرابهما بصحة ما أنزل إليه؛ ليرد به على أولئك الجهلة

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon