الساعين في الآيات الذين أنكروا الساعة، فقال: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ مستأنف (١) مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات؛ أي: ويعلم أولو العلم من أصحاب رسول الله - ﷺ -، ومن شايعهم من علماء الأمة، أو من آمن من علماء أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما، والأول أظهر؛ لأن السورة مكية، كما في "التكملة".
﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾؛ أي: النبوة والقرآن والحكمة، والموصول مع صلته مفعول أول لـ ﴿وَيَرَى﴾. ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل يفيد التوكيد، كقوله تعالى: ﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. ﴿الْحَقَّ﴾ بالنصب على أنه مفعول ثان لـ ﴿يَرَى﴾، وبه قرأ الجمهور، وقرأ (٢) ابن أبي عبلة بالرفع؛ جعل ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، و ﴿الْحَقَّ﴾: خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني لـ ﴿يَرَى﴾، وهي لغة تميم، يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأً، قاله أبو عمر الجرمي.
وقوله: ﴿وَيَهْدِي﴾ عطف على ﴿الْحَقَّ﴾، عطف فعل على اسم، كما في قوله تعالى: ﴿صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾؛ أي: وقابضات، فكأنه قيل: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك الحق، وهاديًا ﴿إِلَى صِرَاطِ﴾ الله ﴿الْعَزِيزِ﴾ في ملكه ﴿الْحَمِيدِ﴾ عند خلقه الذي هو التوحيد، والتوشح بلباس التقوى، وهذا يفيد رهبةً؛ لأن العزيز يكون ذا انتقام من المكذِّب، ورغبة؛ لأن الحميد يشكر على المصدِّق، والمراد: أنه يهدي إلى دين الله، وهو التوحيد.
ومعنى الآية (٣): أي وقال الجهلة المنكرون للبعث والحشر والحساب: إنه لا رجعة بعد هذه الدنيا، وقال العالمون من أهل الكتاب، ومن أصحاب رسول الله - ﷺ -، ومن يأتي من بعدهم من أمته: إن الذي أنزل إليك من ربك مثبتًا لقيام الساعة، ومجازاة كل عامل بما عمل من خير أو شر، هو الحق الذي لا شك فيه، وأنه هو الذي يرشد من اتبعه، وعمل به إلى سبيل الله الذي لا يغالب، ولا يمانع، وهو القاهر لكل شيء، والغالب له، وهو المحمود على جميع أفعاله وأقواله، وما أنزله
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.