من شرع ودين.
وفي الآية: إيماء إلى أن دين الإِسلام (١)، وتوحيد الملك العلام، هو الذي يتوصل به إلى عزة الدارين، وإلى القربة والوصلة والرؤية في مقام العين.
كما أن الكفر والتكذيب يتوصل به إلى المذمة والمذلة في الدنيا والآخرة، وإلى البعد والطرد والحجاب عما تعانيه القلوب الحاضرة، والوجوه الناظرة. قال بعض الكبار: يشير بالآية إلى الفلاسفة الذين يقولون: إن محمدًا - ﷺ - كان حكيمًا من حكماء العرب، وبالحكمة أخرج هذا الناموس الأكبر، يعنون: النبوة والشريعة، ويزعمون أن القرآن كلامه، أنشأه من تلقاء نفسه، يسعون في هذا المعنى مجاهدين جهدًا تامًا في إبطال الحق، وإثبات الباطل، فلهم أسوأ الطرد والإبعاد؛ لأن القدح في النبوة ليس كالقدح في سائر الأمور، وأما الذين أوتوا العلم من عند الله تعالى موهبة منه، لا من عند الناس بالتكرار والبحث، فيعلمون أن النبوة والقرآن والحكمة هو الحق من ربهم، وإنما يرون هذه الحقيقة؛ لأنهم ينظرون بنور العلم الذي أوتوه من الحق تعالى، فإنَّ الحق لا يرى إلا بالحق، كما أن النور لا يرى إلا بالنور.
ولما كان يرى الحق بالحق.. كان الحق هاديًا لأهل الحق وطالبيه إلى طريق الحق، وذلك قوله: ﴿وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، فهو العزيز؛ لأنه لا يوجد إلا به، وبهدايته، والحميد؛ لأنه لا يرد الطالب بغير وجدان، كما قال: "ألا من طلبني وجدني". قال موسى عليه السلام: أين أجدك يا رب؟ قال: "يا موسى، إذا قصدت إليَّ فقد وصلت إليَّ" انتهى.
٧ - ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ منكري البعث، وهم كفار قريش، قالوا بطريق الاستهزاء مخاطبًا بعضهم لبعض: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ يعنون به النبي - ﷺ -، وإنما قصدوا بالتنكير الهزء والسخرية؛ أي: هل نرشدكم إلى رجل ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾؛ أي: يخبركم بأمر عجيب، ونبأ غريب، هو: ﴿أنكم إذا﴾ متم و ﴿مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾؛ أي: وفرقت أجسادكم كل تفريق، وقطعتم كل تقطيع، وصرتم بعد موتكم رفاتًا وترابًا ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾؛ أي: تخلقون خلقًا جديدًا وتبعثون من قبوركم أحياء،