وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}.
والأمر الآخر: التهديد لهم، بأن من خلق السماء والأرض على هذه الهيئة التي قد أحاطت بجميع المخلوقات فيهما.. قادرٌ على تعجيل العذاب لهم.
ومن المعلوم (١): أن ما بين يدي الإنسان هو كل ما يقع نظره عليه من غير أن يحوِّل وجهه إليه، وما خلفه هو كل ما لا يقع نظره عليه، حتى يحوِّل وجهه إليه، فيعم الجهات كلها.
فإن قلت: هلا ذكر الإيمان والشمائل، كما ذكرهما في قوله في الأعراف: ﴿لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾؟
فالجواب: أنه وجد هنا ما يغني عن ذكرهما من لفظ العموم، والسماء والأرض، بخلاف ما هناك. اهـ "كرخي".
ثم بيَّن المحذور المتوقع من جهة السماء والأرض، فقال: ﴿إِنْ نَشَأْ﴾ جريًا على موجب جناياتهم ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾؛ أي: نغيبها من تحتهم، كما خسفناها بقارون وأشياعه ﴿أَوْ﴾ إن نشأ ﴿نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا﴾ وقطعًا ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾، كما أسقطناها على أصحاب الأيكة؛ لأن ذلك بما ارتكبوه من الجرائم.
ومعنى إسقاط الكسف من السماء (٢): إسقاط قطع من النار، كما وقع لأصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب، كانوا أصحاب غياض ورياض وأشجار ملتفة؛ حيث أرسل الله تعالى عليهم حرًا شديدًا، فرأوا سحابةً، فجاؤا ليستظلوا تحتها، فأمطرت عليهم النار، فاحترقوا.
والمعنى (٣): أي أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالمعاد، الجاحدون للبعث بعد الممات، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فيرتدعوا عن جهلهم، ويزدجروا عن تكذيبهم، حذر أن نأمر الأرض فتخسف بهم، أو نأمر السماء فتسقط عليهم كسفًا، فإنا إن نشأ أن نفعل ذلك بهم.. فعلنا، لكنا نؤخِّره لحلمنا وعفونا؛ أي: حيثما

(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon