كانوا.. فالسماء والأرض قد أحاطتا بهم، ولا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما، ولا يخرجوا من ملكوت الله فيهما.
وإجمال ذلك: أنه تعالى ذكرهم بأظهر شيء لديهم يعاينونه حيثما وجدوا، ولا يغيب عن أبصارهم حيثما ذهبوا، وفيه الدليل على قدرته على البعث والإحياء، فإن من قدر على خلق تلك الأجرام العظام.. لا تعجزه إعادة الأجسام، فهي إذا قيست بها.. كانت كأنها لا شيء، كما قال: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾، وفي هذا ما لا يخفي من التنبيه إلى مزيد جهلهم المشار إليه بالضلال البعيد.
وقرأ الجمهور (١): ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ﴾، و ﴿نُسْقِطْ﴾ بنون العظمة في الثلاثة، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعيسى والأعمش وابن مطرف: بالياء التحتية في الأفعال الثلاثة؛ أي: إن يشأ الله. وقرأ الكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء في: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ﴾. قال أبو علي: وذلك لا يجوز؛ لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء، فلا تدغم فيها، وإن كانت الباء تدغم في الفاء، نحو: اضرب فلانًا. وقال الزمخشري: وقرأ الكسائي: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ﴾ بالإدغام، وليست بقوية. انتهى.
قلت: والقراءة سنة متبعة، ويوجد فيها الفصيح والأفصح، وكل ذلك من تيسير الله تعالى القرآن للذكر، فلا التفات لقول أبي علي، ولا الزمخشري.
ثم ذكر ما هو كالعلة في الحثِّ على الاستدلال بذلك ليزيح إنكارهم بالبعث، فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ إن فيما ذكر من السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظر من جميع الجوانب، أو فيما تلي من الوحي الناطق بما ذكر ﴿لَآيَةً﴾؛ أي: لدلالة واضحة تدل على قدرتنا على البعث بعد الموت ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾؛ أي: راجع إلى ربه، مطيع له في أمره ونهيه، فإن من شأنه الإنابة، والرجوع إلى الله، إذا تأمل فيهما، أو في الوحي المذكور.. ينزجر عن تعاطي القبيح، وينيب إليه تعالى.
والمعنى (٢): أي إن في النظر إلى خلق السموات والأرض لدلالة لكل عبد فطن منيب إلى ربه على كمال قدرتنا على بعث الأجساد، ووقوع المعاد؛ لأن من
(٢) المراغي.