قدر على خلق هذه السموات على ارتفاعها واتساعها، وعلى هذه الأرض على انخفاضها وطولها وعرضها.. قادر على إعادة الأجسام، ونشر الرميم من العظام، كما قال: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)﴾.
فإن قلت: لم قال هنا: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ بإفراد الآية، وقال فيما بعد: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ بجمعها، فما الفرق بين المقامين؟
قلت: إن ما هنا إشارة إلى إحياء الموتى، فناسبه الإفراد، وما بعد إشارة إلى سبأ قبيلة في البلاد، فصاروا فرقًا، فناسبه الجمع. اهـ "كرخي".
وفي الآية (١): حثٌّ بليغ على التوبة والإنابة، وزجر عن الجرم والجناية، وأن العبد الخائف لا يأمن قهر الله طرفة عين، فإن الله قادر على كل شيء، يوصل اللطف والقهر من كل ذرة من ذرات العالم. قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إذا صدق العبد في توبته.. صار منيبًا؛ لأن الإنابة ثاني درجة التوبة. وقال أبو سعيد القرشي: المنيب: الراجع عن كل شيء يشغله عن الله إلى الله. وقال بعضهم: الإنابة: الرجوع منه إليه، لا من شيء غيره، فمن رجع من غيره إليه.. ضيع أحد طرفي الإنابة، والمنيب على الحقيقة: من لم يكن له مرجع سواه، ويرجع إليه من رجوعه، ثم يرجع من رجوع رجوعه، فيبقى شبحًا لا وصف له، قائمًا بين يدي الحق، مستغرقًا في عين الجمع:
هَجَرْتُ الْخَلْقَ كُلًّا فِيْ هَوَاكَا | وَأَيْتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَيْ أَرَاكَا |
فَلَوْ قَطَّعْتَنِيْ فِيْ الْحُبِّ إِرْبًا | لَمَا سَكَنَ الْفُؤَادُ إِلَى سِوَاكَا |
١٠ - ثم ذكر سبحانه وتعالى من عباده المنيبين إليه: داود وسليمان، فقال ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أعطينا داود عليه السلام ﴿مِنَّا﴾؛ أي: من