وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله أن لا يأتي إلى هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه. قال النبي - ﷺ -: "نرجو أن يكون قد أعطاه إياه"، ولما رفع سليمان يده من البناء.. جمع الناس، فأخبرهم أنه مسجد لله تعالى، وهو سبحانه أمره ببناءه، وأن كل شيء فيه لله، ومن انتقص شيئًا منه فقد خان الله.
قال سعيد بن المسيب (١): لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس.. تغلقت أبوابه، فعالجها سليمان، فلم تنفتح حتى قال في دعائه: بصلوات أبي داود، وافتح الأبواب، فتفتحت فوزع له سليمان عشر آلاف من قراء بني إسرائيل، خمسة آلاف بالليل، وخمسة آلاف بالنهار، فلا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله يُعبد فيها، واستمر بيت المقدس على ما بناه سليمان أربع مئة سنة وثلاثًا وخمسين سنة، حتى قصده بختنصر، فخرب المدينة وهدمها، ونقض المسجد، وأخذ جميع ما كان فيه من الذهب والفضة والجواهر، وحمله إلى دار مملكته من أرض العراق، واستمر بيت المقدس خرابًا سبعين سنة، ثم أهلك بختنصر ببعوضة دخلت دماغه، وذلك أنه من كبر الدماغ وانتفاخه.. فعل ما فعل من التخريب والقتل، فجازاه الله تعالى بتسليط أضعف الحيوان على دماغه.
﴿و﴾ يعملون له ما يشاء من ﴿تَمَاثِيلَ﴾ وصور الملائكة والأنبياء على صورة القائمين والراكعين والساجدين على ما اعتادوه، فإنها كانت تعمل حينئذ في المساجد من زجاج ونحاس ورخام ونحوها؛ ليراها الناس، ويعبدوا مثل عباداتهم. ويقال (٢): إن هذه التماثيل رجال من نحاس، وسأل ربه أن ينفخ فيه فيها الروح، ليقاتلوا في سبيل الله، ولا يعمل فيهم السلاح، وكان إسنفديار منهم، كما في تفسير "القرطبي".
وروي: أنهم عملوا أسدين في أسفل كرسيه، ونسرين فوقه، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان ذراعيهما، فارتقى عليهما، وإذا قعد أظلهما النسران بأجنحتهما. اهـ. "قرطبي".

(١) روح البيان.
(٢) القرطبي.


الصفحة التالية
Icon