وقرأ ورش وأبو عمرو (١): بإثبات الياء في الوصل دون الوقف، وابن كثير: بإثباتها وقفًا ووصلًا، والباقون: بالحذف وقفًا ووصلًا، وهو (٢) الأصل اجتزاءً بالكسرة عن الياء، وإجراء الألف واللام مجرى ما عاقبها، وهو التنوين، وكما تحذف الياء مع التنوين.. تحذف مع ما عاقبه، وهو الألف واللام.
﴿وَ﴾ يعملون له ما يشاء من ﴿قُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ جمع قدر، وهو اسم لما يُطبخ فيه اللحم، والراسيات: جمع راسية، من: رسا الشيء إذا ثبت؛ أي: وقدور ثابتات على الأثافي، لا تنزل عنها لعظمها، ولا تحرك عن أماكنها، وكان يصعد إليها بالسلالم، وكانت باليمن.
ثم أمرهم سبحانه بالعمل الصالح على العموم؛ أي: سليمان وأهله فقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾، وهو مقول لقول محذوف. و ﴿آلَ﴾: منصوب على النداء، والمراد به: سليمان؛ لأن هذا الكلام قد ورد في خلال قصته، وخطاب الجمع للتعظيم، أو أولاده، أو كل من ينفق عليه، أو كل من يتأتى منه الشكر من أمته، كما في "بحر العلوم".
والمعنى: أي وقلنا له، أولهم: اعملوا يا آل داود بطاعتي كالصلاة ونحوها، واعبدوني شكرًا لما أعطيتكم من الفضل وسائر النعماء، فإنه لا بد من إظهار الشكر كظهور النعمة. وسميت الصلاة ونحوها شكرًا؛ لسدها مسده. فـ ﴿شُكْرًا﴾: منصوب على العلة، أو منصوب على المصدرية لـ ﴿اعْمَلُوا﴾؛ لأن العمل للمنعم شكر له، فيكون مصدرًا من غير لفظه، أو لفعل محذوف؛ أي: اشكروا شكرًا، أو حال؛ أي: شاكرين أو مفعول به؛ أي: اعملوا شكرًا، ومعناه: إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم، فاعملوا أنتم شكرًا على طريق المشاكلة، وسميت الطاعة شكرًا؛ لأنها من جملة أنواعه.
ثم بيَّن بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده قليل، فقال: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾؛ أي: العامل بطاعتي، الشاكر لنعمتي قليل، وارتفاع القليل على أنه خبر مقدم، و ﴿مِنْ عِبَادِيَ﴾: صفة له، و ﴿الشَّكُورُ﴾: مبتدأ.
(٢) البحر المحيط.