والمعنى: أي يعملون له ما يشاء من القصور الشامخة، والصور المختلفة من النحاس والزجاج والرخام ونحوها، والجفان الكبيرة التي تكفي لعشرات الناس، والقدور الثوابت في أماكنها التي لا تتحرك ولا تتحول لكبرها وعظمها، وقلنا لهم: اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرًا له على نعمه التي أنعمها عليكم في الدين والدنيا.
روي: أن النبي - ﷺ - صعد المنبر، فتلا هذه الآية، ثم قال: "ثلاث من أوتيهن.. فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود" فقلنا: ما هُنَّ؟ فقال: "العدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية" أخرجه الترمذي. والشكر كما يكون بالفعل يكون بالقول، ويكون بالنية كما قال:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّيْ ثَلاَثَةً | يَدِيْ وَلسَانِيْ وَالضَّمِيْرَ الْمُحَجَّبَا |
١٤ - ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا﴾ وحكمنا ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على سليمان ﴿الْمَوْتَ﴾ وألزمناه إياه، وفصلناه به عن الدنيا ﴿مَا دَلَّهُمْ﴾؛ أي: ما دل الجن وآل داود ﴿عَلَى مَوْتِهِ﴾؛ أي: على موت سليمان ﴿إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾؛ أي: إلا هامة الأكل، وسوسة الخشب المسماة بالأرضة، وهي دويبة وسوسة تأكل الخشب، ويقال لها: السرقة، أضيفت إلى فعلها، وهو الأرض بمعنى الأكل، ولذا سميت الأرض مقابل السماء أرضًا، لأنها تأكل أجساد بني آدم، يقال: أرضت الأرضة الخشبة أرضًا إذا أكلتها، فأرضت أرضًا ما لم يسم فاعله، فهي مأروضة حالة كونها ﴿تَأْكُلُ﴾؛ أي: تلك الدابة ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾؛ أي: منسأة سليمان؛ أي: تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها من النسيء، وهو التأخير في الوقت؛ لأن العصا يؤخر بها الشيء عن الطريق مثلًا، ويزجر بها نحو الكلب ويطرد.