الطين يكون في جوف الخشب، فهو ما يأتيها به الشياطين تشكرًا لها.
قال القفال (١): قد دلت هذه الآية على أن الجن لم يسخروا إلا لسليمان، وأنهم تخلصوا بعد موته من تلك الأعمال الشاقة، وإنما تهيَّأ لهم التسخير والعمل، لأن الله تعالى زاد في أجسامهم وقواهم، وغيَّر خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون، ولا يقدرون على شيء من هذه الأعمال الشاقة، مثل: نقل الأجسام الثقال ونحوه؛ لأن ذلك معجزة لسليمان عليه السلام.
قال أهل التاريخ: كان سليمان عليه السلام أبيض جسيمًا وضيئًا، كثير الشعر، يلبس البياض، وكان عمره ثلاثًا وخمسين سنة، وكانت وفاته بعد فراغ بناء بيت المقدس بتسع وعشرين سنة. قال بعضهم: هذا هو الصحيح؛ أي: كون وفاته بعد الفراغ من البناء، لا قبله بسنة على ما زعم بعض أهل التفسير.
وفي "التأويلات النجمية": تشير الآية إلى كمال قدرته وحكمته، وأنه هو الذي سخر الجن والإنس لمخلوق مثلهم، وهم الألوف الكثيرة، والوحوش والطيور.
ثم قضى عليه الموت، وجعلهم مسخرين لجثة بلا روح، وبحكمته جعل دابة الأرض حيوانًا ضعيفًا مثَّلها دليلًا لهذه الألوف الكثيرة من الجن والإنس تدلهم بفعلها على علم ما لم يعلموا.
وفيه أيضًا إشارة إلى أنه تعالى جعل فيها سببًا لإيمان أمة عظيمة، وبيان حال الجن أنهم لا يعلمون الغيب، وفيه إشارة أخرى: أن نبيين من الأنبياء اتكأ عصوين، وهما: موسى وسليمان، فلما قال موسى: هي عصاي أتوكأ عليها.. قال ربه: ألقها، فلما ألقاها.. جعلها ثعبانًا مبينًا، يعني: من اتكأ على غير فضل الله ورحمته يكون متكؤه ثعبانًا، ولما اتكأ سليمان على عصاه في قيام ملكه بها، واستمسك بها.. بعث الله أضعف دابة وأخسها لإبطال متكئه ومتمسكه؛ ليعلم أن من قام بغيره زال بزواله، وأنَّ كل متمسك بغير الله طاغوت من الطواغيت ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ انتهى كلامه.
ومعنى الآية (٢): أي إنما لما قضينا على سليمان بالموت.. لم يدل الجن

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon