الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذُرَى سَبَأٍ قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهَا جِلْدُ الْجَوَامِيْسِ
ومما ورد على القراءة الثانية قول الشاعر:
مِنْ سَبَأَ الْحَاضِرِيْنَ مَآرِبُ إِذْ يَبْنُونَ مِنْ دُوْنِ مَسِيْلِهِ الْعَرِمَا
وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدري ﴿لسبأ﴾ بإسكان الهمزة، وقرىء بقلبها ألفًا.
﴿فِي مَسْكَنِهِمْ﴾؛ أي: في (١) بلدهم الذي كانوا فيه باليمن، وهو مأرب كمنزل على ما في "القاموس"، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال، وهي المرادة بسبأ بلدة بلقيس في سورة النمل. قال السهيلي: مأرب: اسم ملك كان يملكهم، كما أنَّ كسرى: اسم لكل من ملك الفرس، وخاقان: اسم لكل من ملك الصين، وقيصر: اسم لكل من ملك الروم، وفرعون: لكل من ملك مصر، وتبج لكل من ملك الشعر واليمن وحضرموت، والنجاشي: لكل من ملك الحبشة.
وقيل: مأرب: اسم قصر كان لهم، ذكره المسعودي. قال في "إنسان العيون": ويعرب قحطان، قيل له: أيمن؛ لأن هودًا عليه السلام قال له: أنت أيمن ولدي، وسمي اليمن يمنًا بنزوله فيه.
وقرأ الجمهور: ﴿في مساكنهم﴾ على الجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. ووجه الاختيار: أنها كانت لهم منازل كثيرة، ومساكن متعددة.
وقرأ حمزة وحفص بالإفراد مع فتح الكاف، وقرأ الكسائي: بالإفراد مع كسرها، وبهذه القراءة قرأ يحيى بن وثاب والأعمش، ووجه الإفراد: أنه مصدر يشمل القليل والكثير، أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع، وهذه المساكن التي كانت لهم هي التي يقال لها الآن: مأرب.
﴿آيَةٌ﴾؛ أي: علامة ظاهرة دالة بملاحظة الأحوال السابقة واللاحقة لتلك القبيلة من الإعطاء والترفية بمقتضى اللطف، ثم من المنع والتخريب بموجب القهر؛ أي: علامة دالة على وجود الصانع المختار، وقدرته على كل ما يشاء من الأمور البديعة، ومجازاته للمحسن والمسيء، وما يعقلها إلا العالمون، وما يعتبرها إلا العاقلون.
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon