﴿جَنَّتَانِ﴾ بدل من آية، والمراد بهما: جماعتان من البساتين، لا بستانان اثنان فقط. وقرأ ابن أبي عبلة (١): ﴿جنتين﴾ بالنصب على أن ﴿آية﴾ اسم كان، و ﴿جنتين﴾ الخبر، ووجه كون الجنتين آية: نبات الخمط والأثل والسدر مكان الأشجار المثمرة. وفي "القرطبي": آية (٢) دالة عللى قدرة الله تعالى، وعلى أن لهم خالقًا خلقهم، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس اللثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر. اهـ.
وقد سبق قريبًا أن قوله: ﴿جَنَّتَانِ﴾ بالرفع بدل من ﴿آيَةٌ﴾ التي هي اسم كان بدل مثنى من مفرد؛ لأن هذا المفرد يصدق علم المثنى؛ لأنهما لما تماثلتا في الدلالة، واتحدت جهتها فيهما.. صح جعلهما آيةً واحدة، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ واعتمد أبو حيان كون ﴿جَنَّتَانِ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي جنتان؛ أي: بستانان. اهـ "كرخي". أي: جماعتان من البساتين.
جماعة ﴿عَنْ يَمِينٍ﴾؛ أي: عن يمين بلدتهم ووالديهم؛ لأن بلدتهم كانت في الوادي ﴿و﴾ جماعة عن ﴿الْأَرْضِ﴾؛ أي: شمال واديهم، كل واحدة من تينك الجماعتين في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة. اهـ "أبو السعود". وفي "القرطبي": قال القشيري: ولم يرد جنتين اثنتين، بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة في كل جهة بساتين كثيرة؛ أي: كانت بلادهم ذات بساتين وأشجار وثمار تستر الناس بظلالها. اهـ. أو المعنى (٣): بستانان، لكل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله، وفي "الشوكاني": وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله، قد أحاطتا به من جهتيه، وكانت مساكنهم في الوادي، والآية: هي الجنتان، كانت المرأة تمشي فيهما، وعلى رأسها المكتل، فيمتلىء من أنواع الفواكه التي تتساقط من غير أن تمسها بيدها. وقال عبد الرحمن بن زيد: إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم: أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابًا ولا برغوثًا ولا قملةً ولا عقربًا ولا حيةً، ولا غير ذلك من الهوام، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل.. ماتت عند

(١) البحر المحيط.
(٢) القرطبي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon