رؤيتهم لبيوتهم.
وقوله: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ مقول لقول محذوف؛ أي: قيل لهم على لسان نبينهم، أو على لسان الملائكة، أو بلسان الحال، ولم يكن ثَمَّ أمر، ولكن المراد: تمكينهم من تلك النعم. ويقال: كان سبأ ثلاث عشرة قرية، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا، فقال لهم الأنبياء: كلوا من رزق ربكم؛ أي: مما رزقكم الله سبحانه من أنواع ثمار الجنتين ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ سبحانه على ما رزقكم منها باللسان والجنان والأركان، واعملوا بطاعته، واجتنبوا معاصيه.
وجملة قوله: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور﴾ مستأنفة مسوقة لبيان ما يوجب الشكر المأمور به؛ أي: بلدتكم (١) هذه بلدة طيبة؛ لكثرة أشجارها وثمارها، وقيل: معنى كونها طيبة: أنها لم تكن سبخة، بل لينة؛ حيث أخرجت الثمار الطيبة. وقيل: إنها طيبة الهواء والماء، كما قال الكاشفي. وفي "فتح الرحمن": وطيبتها: أنها لم يكن بها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، ولا غيرها من المؤذيات، وكان يمر بها الغريب وفي ثيابه القمل، فتموت كلها لطيب هوائها، ومن ثمة لم يكن بها آفات وأمراض أيضًا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت أطيب البلاد هواء وأخصبها.
﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾؛ أي: وربكم الذي رزقكم ما فيها من الطيبات، وطلب منكم الشكر رب غفور لفرطات من يشكره وذنوبهم. قال مقاتل: المعنى: وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب، وقيل: إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام.
وقرأ رويس بنصب الأربعة (٢). قال أحمد بن يحيى: التقدير: اسكنوا بلدة طيبة، واعبدوا ربًا. غفورًا، وقال الزمخشري: منصوب على المدح.
ومعنى الآية: أي وعزتي وجلالي، لقد كان أهل هذا الحي من ملوك اليمن في نعمة عظيمة، وسعة في الرزق، وكانت لهم حدائق غناء، وبساتين فيحاء عن يمين الوادي وشماله، وقد أرسل الله سبحانه إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزق
(٢) البحر المحيط.