ربهم، ويشكروه بتوحيده وعبادته كفاء ما أنعم عليهم بهذه المنن، وأحسن إليهم بتلك النعم، فكانوا كذلك إلى حين،
١٦ - ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل عليهم، كما ذكره بقوله: ﴿فَأَعْرَضُوا...﴾ إلخ؛ أي: ولما ذكر الله سبحانه ما كان من جانبه من الإحسان إليهم.. ذكر ما كان من جانبهم في مقابلته فقال: فأعرضوا؛ أي: عما جاء به إليهم أنبياؤهم، وكانوا ثلاثة عشر نبيًا بعدد قراهم، فدعوهم إلى الله تعالى، وذكروهم نعمه، فكذبوهم وقالوا: ما نعرف لله نعمة علينا، فقولوا لربكم فليحبس عنا هذه النعمة إن استطاع.
والمعنى: أعرض أولاد سبأ عن الوفاء، وأقبلوا على الجفاء، وكفروا النعمة، وتعرَّضوا للنقمة، وضيعوا الشكر، فبدلوا وبُدِّل لهم الحال.
ثم بيَّن كيفية الانتقام منهم فقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: فتحنا عليهم، وسلطنا عليهم ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾؛ أي: سيل السدّ؛ أي: ماء السيول التي اجتمعت في سدهم الذي سدوه بين الجبلين ليجتمع فيه جميع سيول اليمن، والسيل: الماء الذي يأتيك، ولم يصبك مطره، والعرم: السد الذي يحبس الماء ليعلوا على الأرض المرتفعة، قاله السدي. والمعنى: أرسلنا عليهم سيل السد.
وقال عطاء: العرم: اسم الوادي. وقال الزجاج: العرم: اسم الجرذ الذي نقب السد عليهم، وهو الذي يقال له: الخلد، فنسب إليه السيل لكونه سبب جريانه؛ لأن الله تعالى أرسل جرذانًا برية كان لها أنياب من حديد، لا يقرب منها هرة إلا قتلتها، فنقبت عليهم ذلك السدَّ، فغرقت جنانهم ومساكنهم، ويقال لذلك الجرذ: الخلد بالضم، لإقامته عند جحره، وهو الفأر الأعمى الذي لا يدرك إلا بالسمع. وقرأ عروة بن الورد: ﴿العرم﴾ بإسكان الراء مخفف العرم، كقولهم في الكَبِد: الكَبْد، ذكره في "البحر".
قال ابن عباس ووهب وغيرهما (١): كان لهم سد بنته بلقيس، وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم، فأمرت بواديهم، فسد بالصخر والقار بين الجبلين، وجعلت لهم ثلاث أبواب بعضها فوق بعض، وبنت دونه بركه ضخمة، وجعلت فيها