اثني عشر مخرجًا على عدة أنهارهم، يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا عنه سدوها، فإذا جاءهم المطر اجتمع عليهم ماء أودية اليمن، فاحتبس السيل من وراء السد، فأمرت بالباب الأعلى، ففتح فجرى ماؤه إلى البركة، فكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث الأسفل، فلا ينفد الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة، فكانت تقسمه بينهم على ذلك، فبقوا بعدها مدة، فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذًا يسمى الخلد، فنقَّب السد من أسفله، فغرق الماء جنانهم، وأخرب أرضهم.
وقال وهب: رأوا فيما يزعمون ويجدون في علمهم أن الذي يخرب سدهم فأرة، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة، فلما جاء زمان ما أراد الله تعالى بهم من التغريق.. أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرار، فساورتها حتى استأخرت الهرة عنها، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها، فتغلغلت في السد، وحفرت حتى أوهنت المسيل، وهم لا يعلمون ذلك، فلما جاء السيل وجد خللًا، فدخل منه حتى اقتلع السد، وفاض الماء حتى علا أموالهم فغرقها، ودفن بيوتهم الرمل، فغرقوا ومزقوا كل ممزق حتى صاروا مثلًا عند العرب، يقولون: ذهبوا أيدي سبأ، وتفرقوا أيادي سبأ.
وقال السهيلي في كتاب "التعريف والأعلام": كان الذي بني السدَّ سبأ بن يشجب، بناه بالرخام، وساق إليه سبعين واديًا، ومات قبل أن يستتمه، فأتم بعده. انتهى. وقال في "فتح الرحمن": فأرسلنا عليهم السيل الذي لا يطاق، فخرب السد، وملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنات وكثيرًا من الناس ممن لم يمكنه الفرار؛ أي: إلى الجبل، وأغرق أموالهم، فتفرقوا في البلاد، فصاروا مثلًا. انتهى. وقيل: الأوس والخزرج منهم.
﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ﴾؛ أي: عوضناهم ﴿بِجَنَّتَيْهِمْ﴾؛ أي: عن (١) جنتيهم المذكورتين، وآتيناهم بدلهما. والتبديل: جعل الشيء مكان آخر، والباء تدخل على المتروك على ما هي القاعدة المشهورة. ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ ثاني مفعولي ﴿بَدَّلْنَا﴾؛ أي: أعطينا بدل

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon