والحاصل: أن الله سبحانه أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبتت بدلها غير المثمرة.
ومعنى الآية (١): أي فأعرضوا عن طاعة ربهم، وصدوا عن اتباع ما دعتهم إليه الرسل، فأرسل الله عليهم سيلا كثيرًا ملأ الوادي، وكسر السد، وخرَّبه، وذهب بالجنان والبساتين وأهلك الحرث والنسل، ولم يبق منهم إلا شراذم قليلة تفرقت في البلاد، وبدلوا بتلك الجنان والبساتين التي سبق وصفها بساتين ليس فيها إلا بعض أشجار لا يؤبه بها، كالخمط والأثل وقليل من النبق.
١٧ - ثم بيَّن سبب ذلك العقاب بقوله: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ﴾ فالإشارة (٢) بـ ﴿ذَلِكَ﴾ إلى مصدر ﴿جَزَيْنَاهُمْ﴾ فمحله النصب على أنه مصدر مؤكد له؛ أي: ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر، أو الإشارة إلى ما ذكر من التبديل، فمحله النصب على أنه مفعول ثان له؛ أي: ذلك التبديل جزيناهم لا غيره ﴿بِمَا كَفَرُوا﴾؛ أي: بسبب كفرانهم النعمة؛ حيث نزعناها منهم، ووضعنا مكانه ضدها، أو بسبب كفرهم بالرسل.
وفي هذه الآية: دليل على بعث الأنبياء بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فإنه روي أن الواقعة المذكورة كانت في الفترة التي بينهما، وما قيل من أنه لم يكن بينهما نبيٌّ يعني به: نبي ذو كتاب، كذا في "بحر العلوم"، فلا يشكل قوله عليه الصلاة والسلام: "ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: رسول مبعوث بشريعة مستقلة، بل كل من بعث كان مقررًا لشريعة عيسى عليه السلام.
والاستفهام في قوله: ﴿وَهَلْ نُجَازِي﴾ إنكاري بمعنى النفي؛ أي: وما نجازي هذا الجزاء الفظيع بسلب النعمة، ونزول النقمة ﴿إِلَّا الْكَفُورَ﴾؛ أي: إلا المبالغ في الكفران، أو في الكفر، وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها. والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالًا والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعًا، وقال مجاهد: إن المؤمن يكفر عنه سيئاته، والكافر يجازي بكل عمل عمله.
(٢) روح البيان.