بذلك، وأذن لهم فيه؛ أي: وقلنا لهم: سيروا في تلك القرى لمصالحكم ﴿لَيَالِيَ وَأَيَّامًا﴾؛ أي: متى شئتم من الليالي والأيام، أو مكنا لهم من السير فيها متى شاؤوا من الأيام والليالي؛ أي: سيروا فيها أي وقت شئتم حال كونكم ﴿آمِنِينَ﴾ من كل ما تكرهونه من الأعداء واللصوص والسباع بسبب كثرة الخلق، ومن الجوع والعطش بسبب عمارة المواضع، لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات، أو سيروا فيها آمنين، وإن تطاولت مدة سفركم، وامتدت ليالي وأيامًا كثيرة، أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة، بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور، وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك.
وخلاصة ما ذكر (١): أنهم كانوا في نعمة وغبطة وعيش هنيء رغد في بلاد مرضية، وأماكن آمنة، وقرى متواصلة مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، فالمسافر لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، فهو يقيل في قرية ويبيت في أخرى بمقدار ما يحتاجون إليه في مسيرهم.
١٩ - ثم ذكر أنهم بطروا وملوا تلك النعم، وآثروا الذي هو أدنى على الذي هو خير، كما طلب بنو إسرائيل الثوم والبصل مكان السلوى والعسل، وقالوا: لو كان جني جناننا أبعد.. لكان أجدر أن نشتهيه، وسألوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز وقفازًا؛ ليركبوا فيها الرواحيل، ويتزودوا الأزواد، ويتطاولوا فيها على الفقراء، كما حكى سبحانه عنهم بقوله: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾ بيننا؛ أي: بين بلدنا ويمننا، و ﴿بَيْنَ﴾ مقصد ﴿أَسْفَارِنَا﴾ وهو الشام؛ أي: اجعل بيننا وبين الشام مفاوز وفلوات لنركب فيها الرواحل، ونتزود الأزواد، فلما تمنوا ذلك عجل لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة، وجعلها بلقعًا لا يسمع فيها داع ولا مجيب ﴿وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ حيث عرضوها للسخط والعذاب بالشرك، وترك الشكر، وعدم الاعتداد بالنعمة، وتكذيب الأنبياء.
وقرأ الجمهور من السبعة (٢): ﴿رَبَّنَا﴾ بالنصب على النداء. وقرؤوا أيضًا
(٢) الشوكاني.