في التعلق، وإلا فهما صفتان لله تعالى لا تسبق إحداهما على الأخرى في ذاتهما. ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ سبحانه؛ أي: فلا مرسل له من بعد إمساكه ومنعه كقوله: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾؛ أي: من بعد إضلال الله إياه.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك، فلا أحد ينازعه ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي يفعل ما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وفي "الخازن": ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فيما أمسك ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: فيما أرسل.
ومعنى الآية (١): مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه وتعالى، فما يعطِ من خير.. فلا يستطيع أحد منعه ولا إمساكه، وأيُّ خير يمسكه.. فلا يبسطه ولا يفتحه لهم فاتح؛ لأن الأمور كلها بيده تعالى، ومنها البذل والعطاء، والمنع والإمساك، وهو الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي منها الفتح والإمساك. وهو الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وفي الآية عظة للناس بالإقبال إلى ربهم، والتوجه إليه في قضاء حوائجهم، والتوكل عليه في جميع مآربهم، والإعراض عما سواه من جميع خلقه.
ونحو الآية قوله: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)﴾. روى أحمد عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "إذا انصرف من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، وهو بالفتح: الحظ، والإقبال في الدنيا؛ أي: لا ينفع الفتى المحظوظ حظه في الدنيا منك؛ أي: عندك، وإنما ينفعه العمل والطاعة.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - ﷺ - كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربّنا لك الحمد ملء السماء والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم أهل الثناء والمجد أحق

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon