للمفعول، وقرأ الجمهور: ﴿الْكَلِمُ﴾، وقرأ أبو عبد الرحمن: ﴿الكلام﴾، وقرأ الجمهور: ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ﴾ بالرفع على العطف، أو على الابتداء، وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال.
وبعد أن ذكر أن العمل الصالح يصعد إلى الله.. ذكر أن المرائين لا يتقبّل منهم عمل، ولهم عذاب شديد عند ربهم فقال: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ وانتصاب (١) ﴿السَّيِّئَاتِ﴾ على أنها صفة لمصدر محذوف، فإنّ يمكر لازم لا ينصب المفعول به؛ أي: يمكرون المنكرات السيئات، أو مفعول به على التضمين؛ أي: يعملون السيئات، وهي مكرات قريش بالنبيّ - ﷺ - في دار الندوة، وتدارؤهم الرّأي في إحدى الثلاث التي هي الإثبات، والقتل، والإخراج، كما حكى الله سبحانه عنهم في سورة الأنفال بقوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾. ﴿لَهُمْ﴾ بسبب مكراتهم ﴿عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾؛ أي: بالغ نهاية الشدّة في الدنيا والآخرة لا يدرك غايته، ولا يبالي بما يمكرون به ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ﴾ المفسدين الذين أرادوا أن يمكروا بالنّبي - ﷺ -.
وضع اسم الإشارة موضع ضميرهم (٢) للإيذان بكمال تميّزهم بما هم فيه من الشرّ والفساد عن سائر المفسدين، واشتهارهم بذلك ﴿هُوَ﴾ مبتدأ ثانٍ لا ضمير منفصل لعدم شرطه، خاصةً دون مكر الله بهم، وفي "الإرشاد": لا من مكروا به. ﴿يَبُورُ﴾؛ أي: يهلك ويفسد ويبطل، فإنّ البوار فرط الكساد كما سيأتي. ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد، كما قيل: كسد حتى فسد، عبر بالبوار عن الهلاك والفساد.
ولقد أبارهم الله تعالى إبارة بعد إبارة مكراتهم؛ حيث أخرجهم من مكة، وقتلهم، وأثبتهم في قليب بدر، فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه - ﷺ - بواحدة منهنَّ ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ فللمكر السيء قوم أشقياء غاية أمرهم الهلاك، وللكلم الطيّب والعمل الصالح قوم سعداء، نهاية شأنهم النجاة. قال مجاهد وشهر بن حوشب: المراد بالآية: أصحاب الرياء.
ومعنى الآية (٣): أي والذين يمكرون المكر السيء بالمسلمين بأن يعملوا كل
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.