ما يكون سببًا في ضعف الإِسلام، والحط من قدره، حتى يمحى أثره من الوجود، كما فعلت قريش في دار الندوة؛ إذ تدارست الرّأي في شأن النبي - ﷺ - بحبسه، أو قتله، أو إجلائه من مكة، لهم العذاب الشديد يوم القيامة، ومكر هؤلاء المفسدين يظهر زيفه عن قريب لأولي البصائر، فإنه ما أسرّ أحد سريرة إلّا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وما أسرّ أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها إن خيرًا فخير، وان شرًّا فشر، فالمرائي لا يروج أمره، ولا يتّفق إلا على غبيّ. أمّا المؤمنون المتفرسون.. فلا يروج ذلك عليهم، بل ينكشف عن قريب، ويجازون عليه أشد الخزي والهوان.
وفي "التأويلات النجمية": يشير سبحانه بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ إلى الذين يظهرون الحسنات بالمكر، ويخفون السيئات من العقائد الفاسدة ليحسبهم الخلق من الصالحين الصادقين. ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، وشدة عذابهم في تضعيف عذابهم، فإنهم يعذّبون بالسيئات التي يخفونها، ويضاعف لهم العذاب بمكرهم في إظهار الحسنات دون حقيقتها، كما قال تعالى: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾؛ أي: مكرهم يبوّرهم ويهلكهم. انتهى.
١١ - ثمّ ذكر سبحانه دليلًا آخر على صحة البعث والنشور بما يُرى في الأنفس، فقال: ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَلَقَكُمْ﴾ يا بني آدم إبتداء خلقًا إجماليًا في ضمن خلق أبيكم آدم عليه السلام ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾، وقال قتادة: يعني آدم، والتقدير على هذا: والله خلق أباكم الأول، وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب، فالكلام حينئذ على حذف مضاف. وقال بعضهم: من تراب تقبرون وتدفنون فيه؛ أي: خلقكم من تراب لتكونوا متواضعين كالتراب. وفي الحديث: "إن الله جعل الأرض ذلولا تمشون في مناكبها، وخلق بني آدم من التراب ليذلهم بذلك، فأبوا إلّا نخوةً واستكبارًا، ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر".
﴿ثُمَّ﴾ خلقكم خلقًا تفصيليًا. ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ لتكونوا قابلين لكل كمال، كالماء الذي هو سر الحياة ومبدأ العناصر الأربعة، والنطفة هو الماء الصافي الخارج من بين الصلب والتّرائب، كما سيأتي. وقال بعضهم: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ يعني: آدم، وهو أصل البشر ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أخرجها من ظهر آبائكم بالتناسل والتوالد.
وفي "التأويلات": يشير سبحانه بقوله: ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ إلى أنه خلقكم من


الصفحة التالية
Icon