الفرات. قال في "خريدة العجائب": الحكمة في كون ماء البحر ملحًا أجاجًا لا يذاق ولا يساغ، لئلا ينتن من تقادم الدهور والأزمان، وعلى ممر الأحقاب والأحيان، فيهلك من نتنه العالم الأرضي، ولو كان عذبًا لكان كذلك، ألا ترى العين التي ينظر الإنسان بها إلى الأرض والسماء والعالم والألواح، وهي شحمة مغمورة في الدمع، وهو ماء مالح، والشحم لا يصان إلا بالملح، فكان الدمع مالحًا لذلك المعنى انتهى. وأما الأنهار العظيمة العذبة فلجريانها دائمًا لم يتغير طعمها ورائحتها، فإن التغير إنما يحصل من الوقوف في مكان؛ أي: وما يعتدل البحران فيستويان، أحدهما عذب سائغ شرابه يجري في الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار، وثانيهما ملح ساكن تسير فيه السفن الكبار. ﴿وَمِنْ كُلٍّ﴾؛ أي: ومن كل واحد من البحرين المختلفين طعمًا ﴿تَأْكُلُونَ﴾ أيها الناس ﴿لَحْمًا﴾ ﴿طَرِيًّا﴾؛ أي: غضًا جديدًا من الطراوة، وهي الرطوبة، وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التي تؤكل، وصف السمك بالطراوة لتسارع الفساد إليه، فيسارع إلى أكله طريًا؛ أي: ومن كل البحار تأكلون السمك الغض الطبريي فضلًا من الله سبحانه ومنة.
﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾؛ أي (١): من المالح خاصة، ولم يقل منه؛ لأنه معلوم. ﴿حِلْيَةً﴾؛ أي: زينة؛ أي: لؤلؤًا ومرجانًا، وفي "الأسئلة المقحمة": أراد بالحلية اللآلىء، واللآلىء إنما تخرج من ملح أجاج، لا من عذب فرات، فكيف أضافها إلى البحرين؟.
والجواب: قد قيل إن اللآلىء تخرج من عذب فرات، وفي الملح عيون من ماء عذب ينعقد فيه اللؤلؤ والمرجان. انتهى.
قال في "الخريدة": اللؤلؤ يتكوَّن في بحر الهند وفارس، والمرجان ينبت في البحر كالشجر، وإذا كلس المرجان عقد الزئبق، فمنه أبيض، ومنه أحمر، ومنه أسود، وهو يقوي العين كحلًا، وينشف رطوبتها. ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾؛ أي: تلبس تلك الحلية نساؤكم، ولما كان تزينهن بها لأجل الرجال فكأنها زينتهم ولباسهم، ولذا أسند إليهم، وقيل: معنى تلبسونها (٢): تلبسون كل شيء منها بحسبه، كالخاتم في

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon