من تراب، وما عطف عليه، وإيلاج الليل في النهار، وتسخير الشمس والقمر.. أشار إلى أن المتصف بهذه الأفعال الغريبة هو الله، فقال: ﴿ذَلِكُمُ﴾ مبتدأ إشارة إلى فاعل الأفاعيل المذكورة إشارة تجوّز، فإن الأصل في الإشارة أن تكون إلى محسوس ويستحيل إحساسه تعالى بالحواس، وأشار (١) إليه إشارة بعيد مع أنه أقرب من كل قريب للإيذان بغاية العظمة؛ أي: ذلك العظيم الشأن الذي أبدع هذه الصنائع البديعة ﴿اللَّهُ﴾ خبر؛ أي: المعبود بحق في الوجود ﴿رَبُّكُمْ﴾؛ أي: مالككم أيها المخلوقات خبر ثانٍ، ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ خبر ثالث؛ أي: هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية والمالكية لما في السموات والأرض، فاعرفوه ووحدوه وأطيعوا أمره، ويجوز أن يكون قوله: ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ جملةً مستقلة في مقابلة قوله: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ﴾؛ أي: تعبدون ﴿مِنْ دُونِهِ﴾؛ أي: حال كونكم متجاوزين الله وعبادته ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾؛ أي: ما يقدرون أن ينفعوكم مقدار القطمير فضلًا عن هذه المنافع العظيمة العجيبة المذكورة سابقًا.
وقرأ الجمهور: ﴿تَدْعُوهُمْ﴾ بتاء الخطاب، وعيسى وسلام ويعقوب بياء الغيبة، ذكره في "البحر المحيط". والقطمير: هو القشرة البيضاء الرقيقة الملتفة على النواة كاللفافة لها. وقيل: هو القمع الذي في رأس التمرة، وقيل: قشر الثوم وأيًا كان هو مثل في القلة والحقارة، كالنقير الذي هو النقرة، والنكتة في ظهر النواة، ومنه ينبت النخل والفتيل الذي في شق النواة على هيئة الخيط المفتول،
١٤ - ثم بيّن سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله تعالى بأنهم لا ينفعون ولا يضرون. فقال: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ﴾؛ أي: الأصنام للإعانة وكشف الضر، ﴿لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ لأنهم جماد، والجماد ليس من شأنه السماع ﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ على سبيل الفرض والتقدير. ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾؛ أي: ما أجابوا لكم؛ لأنهم لا لسان لهم، ما أجابوكم لمطلبكم لعجزهم عن النفع بالكلية، فإن من لا يملك نفع نفسه كيف يملك نفع غيره، وقيل (٢): لو جعلنا لهم سماعًا وحياةً فسمعوا دعاءكم.. لكانوا أطوع لله منكم، ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموه إليه من الكفر.
والخلاصة: كيف تعبدون من لا ينفع ولا يضر، وتدعون من بيده النفع
(٢) الشوكاني.