والضر، وهو الذي ذرأكم في الأرض، وإليه تحشرون؟
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾؛ أي: يجحدون بإشراككم لهم، وبعبادتكم إياهم، ويتبرؤون منها بقولهم: ما كنتم إيانا تعبدون. وإنما (١) جيء بضمير العقلاء؛ لأن عبدتهم كانوا يصفونهم بالتمييز جهلًا وغباوةً، ولأنه أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والسمع، ويجوز أن يراد كل معبود من دون الله من الملائكة والجن والإنس والأصنام، فغلَّب غير الأصنام عليها، كما في "بحر العلوم"، ويجوز (٢) أن يرجع قوله: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ وما بعده إلى من يعقل فقط ممن عبدهم الكفار، وهم الملائكة والجن والشياطين، والمعنى: أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقًا، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم، ويحتمل (٣) أن يكون قوله: ﴿يَكْفُرُونَ﴾ بما يظهر هنالك من جمودها وبطئها عند حركة كل ناطق، ومدافعة كل محتجٍّ فيجيء هذا على طريق التجوز، كقول ذي الرمة:
وَقَفْتُ عَلَى رَبْعٍ لِمَيَّةَ نَاطِقٍ | تُخَاطِبُنِيْ آثَارُهُ وَأُخَاطِبُهْ |
وَأَسْقِيْهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ | تُكَلِّمُنِيْ أَحْجَارُهُ وَمَلاَعِبُهْ |
ثم أكد صدق ما حكاه عنهم من أحوالهم بقوله: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾؛ أي: لا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير أخبرك به، وهو الحق سبحانه فإنه الخبير بكنه الأمور دون سائر المخبرين، والمراد: تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم، ونفي ما يدّعون لهم من الإلهية.
والخلاصة: ولا يخبرك يا محمد عن أمر هذه الآلهة، وعن عبدتها يوم القيامة إلا ذو خبرة بأمرها وأمرهم، وهو الله الذي لا يخفى عليه شيء كان، أو سيكون في
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.