مستأنف الأزمان. وقال في "التجريد": يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون ذلك خطابًا للرسول لما أخبر بأن الخشب والحجر يوم القيامة ينطق ويكذّب عابده، وهو أمر لا يعلم بالعقل المجرد لولا إخبار الله عنه، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾؛ أي: يكفرون بهم يوم القيامة، وهذا القول مع كون المخبر عنه أمرًا عجيبًا هو كما قال؛ لأن المخبر عنه خبير.
والثاني: أن يكون خطابًا ليس مختصًا بأحد؛ أي: هذا الذي ذكر هو كما ذكر لا ينبئك أيها السامع كائنًا من كنت مثل خيبر.
قال الزروقي: الخبير: هو العلم بدقائق الأمور لا يتوصَّل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال، وقال الغزالي: هو الذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة، ولا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرةً ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها.
وحظ العبد من ذلك أن يكون خبيرًا لما يجري في بدنه وقلبه من الغش والخيانة والتطوف حول العاجلة، وإضمار الشر وإظهار الخير، والتجمل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه، ولا يكون خبيرًا بمثل هذه الخفايا إلا بإظهار التوحيد وإخفائه وتحقيقه، والوصول إلى الله بالإعراض عن الشرك، وما يكون متعلق العلاقة والميل، وذلك أن التعلق بما سوى الله تعالى لا يفيد شيئًا من الجلب والسلب، فإنه كله مخلوق، والمخلوق عاجز، وليست القدرة إلا لله تعالى، فوجب توحيده والعبادة له والتعلق به.
الإعراب
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)﴾.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ﴾: صفة للجلالة، ومضاف إليه، وهو من إضافة الوصف إلى مفعوله إضافة محضة؛ لأنه بمعنى الماضي، ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على السموات، ﴿جَاعِلِ﴾: صفة ثانية للجلالة وهو مضاف ﴿الْمَلَائِكَةِ﴾: مضاف إليه إضافة محضة أيضًا من إضافة الوصف إلى