يطأطئون رؤوسهم له، ولا يكادون يرون الحق، أو ينظرون إلى جهته.
قال أبو حيان: والظاهر (١) أن قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ هو حقيقة لا استعارة، لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون.. أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. انتهى. وقرأ ابن عباس (٢): ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾ قال الزجاج: أي: في أيديهم، قال النحاس: وهذه القراءة تفسير، ولا يقرأ بما خالف المصحف، قال: وفي الكلام حذف على قراءة الجماعة، التقدير: إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيديهم أغلالًا، فهي إلى الأذقان، فلفظ ﴿هي﴾ كناية عن الأيدي، لا عن الأعناق، والعرب تحذف مثل هذا، ونظيره: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد؛ لأن الغل إذا كان في العنق.. فلا بد أن يكون في اليد، ولا سيما وقد قال الله تعالى: ﴿فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ﴾، فقد علم أنه يراد به الأيدي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيديهم أغلالا﴾، وعن ابن مسعود أنه قرأ: ﴿إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا﴾، كما روي سابقًا عن قراءة ابن عباس.
ومعنى الآية: أي إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا، فهي واصلة إلى الأذقان ملصقة بها، فهم من جراء ذلك مقمحون؛ أي: مرفوعو الرؤوس؛ إذ أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود خارجًا من الحلقة إلى الذقن، فلا يمكنه من أن يطأطىء رأسه، فلا يزال مقمحًا.
والمراد: منعناهم بموانع عن الإيمان تشبه ما ذكر، فهم غاضوا أبصارهم، لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطؤون رؤوسهم له،
٩ - ثم أكد ما سبق، وزاده بيانًا وتفصيلًا، فقال: ﴿وَجَعَلْنَا﴾ لهم مع ما ذكر سابقًا؛ أي: خلقنا لهم من كمال غضبنا عليهم وصيرنا، ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: من قدامهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا؛ أي: حاجزًا يحجزهم عن الإبصار، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾؛ أي: من ورائهم ﴿سَدًّا﴾ عظيمًا.
وقرأ عبد الله وعكرمة والنخعي وابن وثاب وطلحة وحمزة والكسائي وابن كثير وحفص (٣): ﴿سَدًّا﴾ بفتح السين في الموضعين، وقرأ الجمهور: بالضم، وكلاهما

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon