لغتان بمعنى، أي منعناهم عن الإيمان بموانع، فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان، كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، ومن هذا المعنى في الآية قول الشاعر:

وَمِنَ الْحَوَادِثِ لَا أَبَالَكَ أَنَّنِيْ ضُرِبَتْ عَلَى الأَرْضُ بِالأَسْدَادِ
لَا أَهْتَدِيْ فِيْهَا لِمَوْضِعِ تَلْعَةٍ بَيْنَ الْعُذِيْبِ وَبَيْنَ أَرْضِ مُرَادِ
﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: غطينا أبصارهم، وجعلنا عليها غشاوة، فالكلام على حذف مضاف، ﴿فَهُمْ﴾ بسبب ذلك، ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾؛ أي: لا يقدرون على إبصار شيء، والفاء (١) داخلة على الحكم المسبب عما قبله؛ لأن من أحاطه السد من جميع جوانبه لا يبصر شيئًا؛ إذ الظاهر أن المراد ليس جهتي القدام والخلف فقط، بل يعم جميع الجهات، إلا أن جهة المقدام لما كانت أشرف الجهات وأظهرها، وجهة الخلف كانت ضدها.. خُصت بالذكر. قال الفراء (٢): فألبسنا أبصارهم غشاوة؛ أي: عمي فهم لا يبصرون سبيل الهدى، وكذا قال قتادة: إنَّ المعنى: لا يبصرون الهدى، وقال السدي: لا يبصرون محمدًا - ﷺ - حين ائتمروا على قتله، وقال الضحاك وجعلنا من بين أيديهم سدًا؛ أي: في الدنيا، ومن خلفهم؛ أي: في الآخرة، فأغشيناهم فهم لا يبصرون؛ أي: عموا عن البعث، وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا، وقيل: ما بين أيديهم: الآخرة، وما خلفهم: الدنيا.
وقرأ الجمهور: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالغين المعجمة؛ أي: غطينا أبصارهم، فهو على حذف مضاف، كما مر، وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وابن يعمر وعكرمة والنخعي وابن سيرين والحسن وأبو رجاء وزيد بن علي ويزيد البربري ويزيد بن المهلب وأبو حنيفة وابن مقسم: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ بالعين المهملة، من العشاء، وهو ضعف البصر؛ أي: جعلنا عليها غشاوة، ومنه ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾.
والآية إما تتمّة للتمثيل وتكميل له؛ أي: تكميل؛ أي: وجعلنا مع ما ذكر من
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon