مُقْمَحُونَ (٨)}؛ أي: إنا جمعنا أيمانهم إلى الأذقان حين أرادوا أن يرجموا النبي - ﷺ - بالحجارة، وهو في الصلاة، فها هم مغلولون من كل خير محرومون. ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ الخ؛ أي: وجعلنا من أمامهم سترًا حيث أرادوا أن يرجموا النبي - ﷺ - بالحجارة، وهو في الصلاة، فلم يبصروا النبي - ﷺ -، ومن خلفهم سدًّا، حتى لا يبصروا أصحابه، فغطَّينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبي - ﷺ -، فيؤذوه، ومعنى الآية: أي (١): إنه زيّن لهم سوء أعمالهم، وأعجبوا بأنفسهم، واستكبروا عن اتباع الرسول، وشمخوا بأنوفهم، ولم يخضعوا لما جاءهم به، وصدوا أبواب النظر عما ينفعهم، ولم يقبلوا شيئًا سوى ما هم عليه، فما مثلهم إلا مثل من أحاط به سدان من الأمام والخلف، فحجباه عن النظر، فهو لا يبصر شيئًا.
والخلاصة: أنهم محبوسون في سجن الجهالة، ممنوعون عن النظر في دلائل الأنفس ودلائل الكون، محرومون عن التأمل فيما حل بمن قبلهم من الأمم الخالية، والتفكر في العواقب المستقبلة،
١٠ - ثم ذكر فذلكة لما تقدم فقال: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على أكثر أهل مكة ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾؛ أي: مستو (٢) عند أكثر أهل مكة إنذارك إياهم وعدمه؛ لأن قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ وإن كانت جملة فعلية استفهامية، لكنه في معنى مصدر مضاف إلى الفاعل، فصح الإخبار عنه، فقد هجر فيه جانب اللفظ، ونظر إلى المعنى، ومنه: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وهمزة الاستفهام وأم لتقرير معنى الاستواء والتأكيد، فإن معنى الاستفهام منسلخ منهما رأسًا بتجريدهما عنه لمجرد الاستواء، كما جرِّد حرف النداء عن الطلب لمجرد التخصيص في قولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة. فكما أن هذا جرى على صورة النداء، وليس بنداء، كذلك: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ جرى على صورة الاستفهام، وليس باستفهام. وقوله: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: لا يؤمن أكثر أهل مكة، استئناف مؤكد لما قبله مبيِّن لما فيه من إجمال ما فيه الاستوار.
والمعنى (٣): أي وسواء على هؤلاء الذين حق عليهم القول إنذارك إياهم وتركه، فإنه قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون؛ إذ قد خبثت نفوسهم، وساء
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.