قيل: بل كفر الملك، وأجمع على قتل الرسل هو وقومه، فبلغ ذلك حبيبًا، وهو على باب المدينة، فجاء يسعى إليهم يذكِّرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ﴾ بدل من ﴿إِذْ﴾ الأولى؛ أي: واذكر لهم وقت إرسالنا اثنين إلى أصحاب القرية، واسمهما: يحيى ويونس، وقيل: صادق ومصدوق، وقيل: غير ذلك، ونسبة إرسالهما إليه تعالى بناءً على أنه بأمره تعالى، فكانت الرسل رسل الله، ويؤيِّده (١) مسألة فقهية، وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل بأن قال الموكل له: اعمل برأيك يكون وكيلًا للموكل، لا للوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه، وينعزل إذا عزله الموكل الأول، ويجوز أن يكون اللهُ أرسلهم بعد رفع عيسى إلى السماء، وقوله: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾ مرتب على محذوف؛ أي: فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما في الرسالة بلا تراخ وتأمل، وضربوهما وحبسوهما كما سبق، ﴿فَعَزَّزْنَا﴾؛ أي: قويناهما، فحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه، ولأن القصد ذكر المعزوز به، وبيان تدبيره اللطيف الذي به عزّ الحق وذلَّ الباطل.
قرأ الجمهور بالتشديد، وقرأ أبو بكر عن عاصم والحسن وأبو حيوة والمفضل وأبان: بتخفيف الزاي، قال الجوهري: ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ يخفف ويشدد؛ أي: قوينا وشددنا، فالقراءتان على هذا بمعنًى، وقيل: التخفيف بمعنى:. غلبنا وقهرنا، ومنه: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾، والتشديد بمعنى: قوينا وكثرنا، ﴿بِثَالِثٍ﴾ هو شمعون الصفار، قاله ابن عباس، ويقال له: شمعون الصخرة أيضًا رئيس الحواريين، وقد كان خليفة عيسى عليه السلام بعد رفعه إلى السماء، وقال كعب ووهب: اسمه شلوم، وقيل: يونس.
قال في "التكملة": اختلف في المرسلين الثلاثة، فقيل: كانوا أنبياء رسلًا، أرسلهم الله تعالى، وقيل: كانوا من الحواريين أرسلهم عيسى بن مريم إلى أهل القرية المذكورة، ولكن لما كان إرساله إياهم عن أمره.. أضاف الإرسال إليه انتهى. علم منه أن الحواريين لم يكونوا أنبياء لا في زمان عيسى ولا بعد رفعه، وإليه الإشارة بقوله - ﷺ -: "ليس بيني وبينه نبي"؛ أي: بين عيسى عليه السلام، وان احتمل أن يكون المراد: النبي الذي يأتي بشريعة مستقلة، وهو لا ينافي وجود النبي