من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه، وكذلك إذا فرغوا منه.. جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي - ﷺ -، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل، لا قبله لانتظار نضج الطعام.
وفي "التأويلات النجمية": إذا انتهت حوائجكم فأخرجوا ولا تتغافلوا، ولا يمنعكم حسن خلقه من حسن الأدب، ولا يحملنكم فرط احتشامه على الإبرام عليه، وكان حسن خلقه جسرهم على المباسطة معه، حتى أنزل الله سبحانه هذه الآية.
ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ الاستئناس بعد الأكل الدال على اللبث، ﴿كَانَ﴾ في علم الله سبحانه ﴿يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ - ﷺ -؛ لتضييق المنزل عليه وعلى أهله، وشغله فيما لا يعنيه، والأذى: هو كل ما يصل إلى الإنسان من ضرر، كما سيأتي.
وقيل: إن (١) الإشارة بقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ إلى الانتظار والاستئناس للحديث، وأشير إليهما بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور، كما في قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾؛ أي: إن ذلك المذكور من الأمرين كان يؤذي النبي - ﷺ -، ويلحق به الضرر؛ لأنهم يضيقون عليه المنزل، وعلى أهله، ويتحدثون بما لا يريده. قال الزجاج: كان النبي - ﷺ - يحتمل إطالتهم كرمًا منه، فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله - سبحانه - من يحضره الأدب حتى صار أدبًا لهم، ولمن بعدهم.
﴿فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾؛ أي: يستحيي أن يقول لكم قوموا أو اخرجوا ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه ﴿لَا يَسْتَحْيِي مِنَ﴾ بيان ﴿الْحَقِّ﴾ الذي هو الإخراج لكم؛ أي: لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق، ولا يمتنع من بيانه وإظهاره، والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة، يعني: أن (٢) إخراجكم حق، فينبغي أن لا يترك حياء، ولذلك لم يتركه الله ترك الحيي، وأمركم بالخروج، وكان - ﷺ - أشدَّ الناس حياءً، وأكثرهم عن العورات إغضاءً، وهو التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته.

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon