والحسن ﴿يا حسرة العباد﴾ بالإضافة إما إلى الفاعل أو إلى المفعول، فيجوز أن تكون الحسرة منهم على ما فاتهم، ويجوز أن تكون الحسرة من غيرهم عليهم، لما فاتهم من اتباع الرسل حين أحضروا للعذاب، وطباع البشر تتأثر عند معاينة عذاب غيرهم، وتتحسر عليهم أو من الملائكة، وقرأ أبو الزناد، وابن هرمز، ومسلم بن جندب، وعكرمة ﴿يا حسره على العباد﴾ بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف، وقال ابن خالويه: ﴿يا حسرةَ على العباد﴾ بغير تنوين، قاله ابن عباس، اهـ. ووجهه: أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف التي هي بدل من ياء المتكلم في النداء، كما اجتزأ بالكسرة على الياء فيه، وقد قرىء ﴿يا حسرتا﴾ بالألف؛ أي: يا حسرتي، ويكون من الله على طريق الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم، شبّه استعظام الله سبحانه لجنايتهم على أنفسهم، بتحسر الإنسان على غيره، لأجل ما فاته من الدولة العظمى، من حيث أن ذلك التحسر يستلزم استعظام ما أصاب ذلك الغير، والإنكار على ارتكابه، والوقوع فيه.
وجملة قوله: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ...﴾ إلخ، مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه من تكذيب الرسل والاستهزاء بهم، وأن ذلك هو
سبب التحسر عليهم، وفي «بحر العلوم»: قوله: ﴿ما يَأْتِيهِمْ﴾ إلخ، حكاية حال ماضية مستمرة؛ أي: كانوا في الدنيا على الاستمرار يستهزئون بمن يأتيهم من الرسول من غاية الكبر، ويستحقرون، ويستنكفون عن قبول دينه ودعوته، وفيه تسلية لرسول الله - ﷺ - عن استهزاء قومه له.
٣١ - ولما بيّن حال الأولين نبه الحاضرين، فقال: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ وعيد للمشركين في مكة بمثل عذاب الأمم الماضية، ليعتبروا ويرجعوا عن الشرك. والاستفهام للتقرير؛ أي: قد رأوا كثرة إهلاكنا، وكم في قوله: ﴿كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾ خبرية؛ أي: ألم يعلم أهل مكة كثرة إهلاكنا من قبلهم، من المذكورين آنفًا، ومن غيرهم بشؤم تكذيبهم. وقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ معلّق عن العمل فيما بعده؛ لأن ﴿كَمْ﴾ لا يعمل فيها ما قبلها، خبرية كانت كما هنا، أو استفهامية، خلا أن معناه نافذ في الجملة، كما نفذ في قولك: ألم تر إن زيدا لمنطلق. وإن لم يعمل


الصفحة التالية
Icon