ومولانا، فاجعلنا في تقلبات أنواع نعمك، شاغلين بك فارغين عن غيرك، وأوصل إلينا من كل خيرك.
فإن قلت (١): لم جمع هنا ﴿الْمَشارِقِ﴾ وحذف مقابله، وثنّاه في الرحمن، وجمعه في المعارج، وأفرده في المزمل مع ذكر مقابله في الثلاثة؟.
قلت: لأن القرآن نزل على المعهود من أساليب كلام العرب وفنونه. ومنها: الإجمال والتفصيل، والذكر والحذف، والجمع والتثنية، والإفراد باعتبارات مختلفة. فأفرد وأجمل في المزمل بقوله: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾، لأنه أراد بهما: الجهة، فالمشرق جهة والمغرب جهة. وجمع وفصّل في المعارج بقوله: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ﴾؛ لأنه أراد جميع مشارق السنة ومغاربها، وهي تزيد على سبع مئة. وثنّى وفصّل في الرحمن، لأنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربهما. وجمع وحذف هنا بقوله: ﴿وَرَبُّ الْمَشارِقِ﴾، لأنه أراد جميع مشارق السنة، واقتصر عليه لدلالته على المحذوف، وخص ما هنا بالجمع، موافقة للجموع أول السورة، وبالحذف مناسبة للزينة في قوله: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)﴾. إذ الزينة إنما تكون غالبًا بالضياء والنور، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب. وخص ما في الرحمن بالتثنية، موافقة للتثنية في ﴿يَسْجُدانِ﴾، وفي ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾، وبذكر المتقابلين مقابلة، لبسط صفاته تعالى وإنعامه. ثم خص ما في المعارج بالجمع، موافقة للجمع قبله وبعده، وبذكر المتقابلين موافقةً لكثرة التأكيد في القسم وجوابه. وخص ما في المزمل بالإفراد موافقة لما قبله من إفراد ذكر النبي - ﷺ -، وما بعده من إفراد ذكر الله تعالى، وبذكر المتقابلين موافقة للحصر في قوله: ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾، ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه - ﷺ -.
وإجمال المعنى (٢): أنه سبحانه أقسم بملائكته الذين كملت أرواحهم،

(١) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon