والإنس، لأنهم غافلون عن آياتنا، معرضون عن التفكر في عظمتها، فالعيون مفتحة ولكن لا تبصر الجمال، ولا تفكر فيه حتى تعتبر بما فيه.
وكانت الشياطين (١) أولًا لا يحجبون عن السموات كلها، وكانوا يدخلونها، ويأتون بأخبارها فيلقونها على الكهنة. فلما ولد عيسى عليه السلام، منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد - ﷺ - منعوا من السموات كلها. فما منهم أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب. وهو الشعلة من النار فلا يخطئه أبدًا، فمنهم من يقتله، ومنهم من يحرق وجهه، ومنهم من يخبله فيصير غولًا يضل الناس في البراري.
٨ - وقوله: ﴿لا يَسَّمَّعُونَ﴾؛ أي: الشياطين، ولا يصغون ﴿إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى﴾ كلام (٢) مستأنف، مسوق لبيان حال الشياطين، بعد بيان حفظ السماء منهم، مع التنبيه على كيفية الحفظ، وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذاب. والملأ الأعلى: الملائكة أو أشرافهم أو الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم في السموات العلى، والجن والإنس هم الملأ الأسفل، لأنهم سكان الأرض.
والمعنى: لا يتطلبون السماء والإصغاء إلى الملائكة الملكوتية. وقيل: إن جملة ﴿لا يَسَّمَّعُونَ﴾ صفة لكل شيطان. وقيل: جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل: فما كان حالهم بعد حفظ السماء عنهم؟ فقال: ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى﴾.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يسْمَعون﴾ بسكون السين وتخفيف الميم، وعدّاه بإلى لتضمنه معنى الإصغاء. وقرأ ابن عباس بخلاف عنه. وابن وثّاب، وعبد الله بن مسلم، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص، وعاصم في رواية حفص ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾ بتشديد السين والميم بمعنى لا يتسمعون. والقراءة الأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم، والقراءة الثانية تدل على انتفائهما. وفي

(١) الصاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon