معنى القراءة الأولى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)﴾. قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون. واختار أبو عبيدة القراءة الثانية، قال: لأن العرب لا تكاد تقول: سمعت إليه، وتقول: تسمعت إليه. وظاهر (١) الأحاديث أنهم يتسمعون حتى الآن لكنهم لا يسمعون، وإن سمع أحد منهم شيئًا لم يفلت حرسا وشهبا من وقت بعثة رسول الله - ﷺ -.
﴿وَيُقْذَفُونَ﴾؛ أي: يُرجمون، ويُرمون ﴿مِنْ كُلِّ جانِبٍ﴾ من جوانب السماء، ومن كل جهة يصعدون بالشهب، إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع. والمرجوم بها هي التي يراها الناس تنقض، وليست بالكواكب الجارية في السماء؛ لأن تلك لا ترى حركتها، وهذه الراجمة نرى حركتها لقربها منا. وقرأ محبوب عن أبي عمرو ﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ مبنيًا للفاعل، وهي قراءة غير مطابقة لما هو المراد من النظم القرآني.
٩ - وانتصاب ﴿دُحُورًا﴾ على أنه مفعول لأجله. والدحور: الطرد والإبعاد؛ أي: يقذفون لأجل الطرد والإبعاد عن السماء أو على الحال؛ أي: يقذفون حال كونهم مدحورين مطرودين أو مصدر ليقذفون؛ لأن متضمن معنى الطرد؛ أي: ويدحرون من كل جانب دحورًا، ويقذفون من كل جهة قذفًا. وقيل: هو جمع داحر، نحو: قاعد وقعود، فيكون حالًا أيضًا. وقرأ الجمهور: ﴿دُحُورًا﴾ بضم الدال. وقرأ علي، والسلمي، وابن أبي عبلة، ويعقوب الحضرمي، والطبراني عن رجاله عن أبي جعفر ﴿دحورا﴾ بنصب الدال أي: قذفًا دحورًا بنصب الدال. ويجوز أن يكون مصدرًا كالقبول والولوع إلا أن هذه ألفاظ ذكر أنها محصورة.
واختلف (٢)، هل كان هذا الرمي لهم بالشهب، قبل المبعث أو بعده؟ فقال بالأول طائفة، وبالآخر آخرون. وقالت طائفة، بالجمع بين القولين: إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رميًا يقطعها عن السمع، ولكن كانت ترمى وقتًا ولا ترمى وقتًا آخر، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب آخر. ثم بعد المبعث،

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon