رميت في كل وقت ومن كل جانب حتى صارت لا تقدر على استراق شيء من السمع إلا من اختطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب.
فإن قلت: تقدم (١) أن الكواكب ثابتة في السماء أو في العرش زينة، ومقتضى كونها رجوما للشياطين أنها تنفصل وتزول، فكيف الجمع بين ذلك؟.
أجيب: بأنه ليس المراد: أن الشياطين بذات الكواكب ترمى، بل تنفصل منها شهب تنزل على الشياطين والكواكب باقية بحالها.
إن قلت: إذا كان الشياطين خلقوا من النار فكيف يحترقون؟
أجيب: بأن الأقوى يحرق الأضعف، كالحديد يقطع بعضه بعضًا.
إن قلت: إذا كان الشيطان يعلم أنه لا يصل لمقصوده بل يصاب، فكيف يعود مرة أخرى؟.
أجيب: بأنه يرجو وصوله لمقصوده وسلامته، كراكب البحر، فإنه يشاهد الغرق المرة بعد المرة، ويعود طمعًا في السلامة.
وقيل معنى: ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى﴾؛ أي (٢): إن كثيرًا من أولئك الجهّال، والشياطين محبوسون في هذه الأرض غائبة أبصارهم عن الملأ الأعلى، لا يفهمون رموز هذه الحياة وعجائبها، ولا ترقى نفوسهم إلى التطلع إلى تلك العوالم العليا، والتأمل في إدراك أسرارها، والبحث في سر عظمتها. ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ﴾؛ أي: وقد قذفتهم شهواتهم وطردتهم من كل جانب، فهم تائهون في سكراتهم، تتخطفهم الأهواء والمطامع والعداوات. فلا يبصرون ذلك الجمال الذي يشرف للحكماء، ويبهر أنظار العلماء، ويتجلى للنفوس الصافية ويسحرها بعظمته. وهم ما زالوا يدأبون على معرفة هذا السر، حتى ذاقوا حلاوته، فخروا ركعًا سجدًا مذهولين من ذلك الجمال والجلال.
﴿وَلَهُمْ﴾؛ أي: وللشياطين في الآخرة غير ما في الدنيا، من عذاب الرمي بالشهب. ﴿عَذابٌ واصِبٌ﴾؛ أي: عذاب دائم غير منقطع، من وصب الأمر وصوبًا
(٢) المراغي.