فيسمع من فوقهم الكلام، فيلقيه إلى من تحته ثم هو يلقيه إلى الآخر، حتى إلى الكاهن. فيرمون بالكوكب فلا يخطىء أبدًا، فمنهم من يحرق بعض أعضائه وأجزائه، ومنهم من يفسد عقله، ومنهم من يجرحه، كما مر. وربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيه، وربما ألقاه قبل أن يدركه. ولأجل أن يصيبهم مرة ويسلمون أخرى لا يرتدعون عن الاستراق بالكلية كراكب البحر للتجارة، فإنه قد يصيبه الموج وقد لا يصيبه، فلذا يعود إلى ركوب البحر رجاء السلامة. ولا يقال: إن الشيطان من النار فلا يحترق؛ لأنه ليس من النار الصرف، كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص، مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها، كما مر كل ذلك.
ثم إن المراد بالشهاب: شعلة نار تنفصل من النجم، لا أنه النجم نفسه، لأنه قار في الفلك على حاله. وقالت الفلاسفة: إن الشهب إنما هي أجزاء نارية، تحصل في الجو عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة، واتصالها بالنار التي دون الفلك، انتهى. وقال بعض كبار أهل المعرفة: لولا الأثير - الركن من النار - الذي هو بين السماء والأرض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن في الأرض، لشدة البرد الذي في السماء الدنيا. فهو؛ أي: الأثير يسخن العالم لتسري فيه الحياة، بتقدير العزيز العليم. وهذا الأثير الذي هو ركن النار متصل بالهواء، والهواء حار رطب، ولما في الهواء من الرطوبة، إذا اتصل بهذا الأثير أثّر فيه، لتحركه اشتعالًا في بعض أجزاء الهواء الرطبة، فبدت الكواكب ذوات الأذناب، لأنها هواء محترق لا مشتعل، وهي سريعة الاندفاع. وإن أردت تحقيق هذا، فانظر إلى شرر النار، إذا ضرب الهواء النار بالمروحة، يتطاير منها شرر مثل الخيوط في رأى العين، ثم تنطفىء كذلك هذه الكواكب المنقضة. وقد جعلها الله رجوما للشياطين الذين هم كفار الجن، كما قال الله تعالى. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
يقول الفقير (١): كلام هذا البعض، يفيد حدوث بعض الكواكب ذوات

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon