غيرهم. قال الزجاج (١): المعنى: فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقًا؛ أي: أحكم صنعة أم من خلقنا قبلهم من الأمم السالفة، يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقًا من غيرهم من الأمم، وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمنهم من العذاب.
ثم ذكر خلق الإنسان، فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْناهُمْ﴾؛ أي: خلقنا أصلهم، وهو آدم، وهم من نسله ﴿مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾؛ أي: لاصق يلصق ويعلق باليد، لا رمل فيه. والباء في ﴿لازِبٍ﴾ بدل من الميم، والأصل: لازم مثل: بكة ومكة، كما في كشف الأسرار. واللازب: الثابت كما يقال: صار الشيء ضربة لازب، ومنه:
قول النابغة:

لا تَحسبُونَ الْخَيْر لا شَرَّ بَعْدهُ وَلا تَحْسَبونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لازِبِ
والمراد من الآية (٢): إثبات المعاد، ورد استحالتهم إياه. وتقريره: إن استحالة المعاد، إما لعدم قابلية المادة، ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب، الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي، وهما باقيان قابلان الانضمام بعد. وإما لعدم قدرة الفاعل، وهو باطل. فإن من قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة.. قادر على ما لا يعتد به، بالإضافة إليها، وهو خلق الإنسان وإعادته سيما، ومن الطين اللازب بدأهم، وقدرته ذاتية لا تتغير. فهي بالنسبة إلى جميع المخلوقات على السواء.
والمعنى في الآية: أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد، وهم مخلوقون من هذا الخلق الضعيف، ولم ينكره من هو مخلوق خلقا أقوى منهم. وأعظم وأكمل وأتم.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنا﴾ بتشديد الميم، وهي أم المتصلة. وقرأ الأعمش ﴿أمن﴾ بتخفيف الميم دون ﴿أم﴾ استفهامًا ثانيًا تقريريًا أيضًا، فهما جملتان مستقلتان في التقرير على قراءته. و ﴿من﴾: مبتدأ، والخبر محذوف،
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon