على الإعادة، وإنكارهم للبعث، وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث. وقال قتادة: عجب نبي الله - ﷺ - من هذا القرآن، حين أنزل، وضلال بني آدم. وذلك أن النبي - ﷺ - كان يظن، أن كل من يسمع القرآن يؤمن به، فلما سمع المشركون القرآن، فسخروا منه، ولم يؤمنوا، عجب من ذلك النبي - ﷺ -. فقال تعالى: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢)﴾. والسخرية: الاستهزاء، والعجب والتعجب: حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء.
والخلاصة: إن قلوبهم غلف، فلا تنظر فيما حولها من البراهين، والآيات الدالة على البعث، ولا تقدر أن تنفذ إلى الإيقان به. فحالهم عجب، ويحق لك أن تكثر التعجب منها، فلقد بلغ من عنادهم وإصرارهم على إنكارهم أن يسخروا من مقالك ومن اهتمامك بإقناعهم في وجوب تسليمهم بالبعث والاعتقاد بحصوله.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَجِبْتَ﴾ بفتح التاء على الخطاب للنبي - ﷺ -؛ أي: بل عجبت يا محمد، من قدرة الله، على هذه الخلائق العظيمة، وهم يسخرون منك ومن تعجبك، ومما تريهم من آثار قدرة الله، أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث، أو عجبت من إعراضهم عن الحق وعماهم من الهدى، وأن يكونوا كافرين مع ما جئتهم به من عند الله تعالى. وقرأ حمزة، والكسائي، وابن سعدان، وابن مقسم بتاء المتكلم. ورويت عن علي وعبد الله، وابن عباس، والنخعي، وابن وثاب، وطلحة، وشقيق، والأعمش، وأنكر شريح القاضي هذه القراءة، وقال: الله لا يعجب. فقال إبراهيم: كان شريح معجبًا بعلمه، وعبد الله أعلم منه يعني: عبد الله بن مسعود. والظاهر: أن ضمير المتكلم هو لله تعالى، والعجب لا يجوز على الله تعالى؛ لأنه روعة تعتري المتعجب من الشيء. قال الحسن بن الفضل (٢): التعجب من الله إنكار الشيء، وتعظيمه. ومعنى ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾؛ أي: استعظمت كفرهم وإنكارهم البعث، وسخطت منه. وقال علي بن

(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon