وحاصل معنى الآيات (١): ﴿وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣)﴾؛ أي: وهم لقسوة قلوبهم إذا وعظوا لا تنفعهم العظة؛ لأنه قد ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فماذا تفيد العبر أو تجدي الذكرى مع قوم هذه حالهم. ثم بالغ في ذمهم وشديد غفلتهم عن النظر في دلائل الحق فقال: ﴿وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤)﴾؛ أي: وإذا أقيمت لهم الأدلة والمعجزات التي ترشد إلى صدق من يعظهم، ويذكرهم بأيام الله، نادى بعضهم بعضًا، متضاحكين مستهزئين: هلموا وانظروا إلى ما يفعله هذا الساحر، الذي يخلب ألبابنا، ويسلب عقولنا، ويريد أن يصدنا عما كان يعبد آباؤنا. وهذا ما أشار إليه حاكيا قولهم: ﴿وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)﴾؛ أي: وقالوا: ما هذا الذي يأتينا به الفينة بعد الفينة، مما يدعي أنه أدلة ظاهرة على صدق ما يدعيه، إلا ألاعيب ساحر، وخدعة أريب ماهر يريد أن يلفتنا عما كان يعبد آباؤنا، وما هي من دلائل الحق في شيء، فإياكم أن تخدعوا بها، وترجعوا عن الدين الحق، الذي عليه آباؤكم، وقد مرت عليه القرون ونحن له متبعون.
١٦ - ثم خصصوا بعض ما ينكرون مما يدعيه من الحشر والبعث، فقالوا: ﴿أَإِذا﴾؛ أي: أنبعث إذا ﴿مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا﴾؛ أي: وكان بعض أجزائنا ترابًا وبعضها عظامًا. وتقديم (٢) التراب لأنه منقلب عن الأجزاء البالية، فالعامل في إِذا هو ما دل عليه قوله: ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ وهو أنبعث لا نفس مبعوثون لتوسط ما يمنع من عمله فيه؛ أي: لا نبعث، فإن الهمزة فيه للإنكار الذي يراد به: النفي. وتقديم الظرف لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إلى حالة منافية له غاية المنافاة. وهذا (٣) الإنكار منهم للبعث هو السبب الذي لأجله كذبوا الرسل وما نزل عليهم، واستهزؤوا بما جاؤوا به من المعجزات.
١٧ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ للاستفهام الإنكاري أيضًا، والواو للعطف، و ﴿آباؤُنَا﴾ مبتدأ، خبره محذوف عند سيبويه؛ أي: و ﴿آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾؛ أي: الأقدمون أيضًا مبعوثون؛ أي:

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon