فتجبروننا على الغي والضلال فاتبعناكم خوفًا منكم بسبب القهر والقوة. وعبر (١) عن القوة باليمين بمعنى الجارحة؛ لأن أكثر الأعمال تزاول بها، أو كنتم تأتوننا عن اليمين؛ أي: عن الناحية التي كان منها الحق، فتصرفوننا عنها، كما في «المفردات». أو تأتوننا عن الجهة التي كنا نأمنكم منها، لحلفكم أنكم على الحق، فصدقناكم فأنتم أضللتمونا، كما في «فتح الرحمن» فاليمين إذا بمعنى الحلف؛ أي: تأتوننا بالأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها. والأول أوفق للجواب الآتي، كما في «الإرشاد». أو كنتم تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك عن جهة النصح، والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين، وتسميه السانح.
والمعنى (٢): أي وأقبل التابعون من الكفار على رؤسائهم المضلين لهم، يسأل بعضهم بعضا سؤال تقريع وتعنيف، على طريق الجدل والخصومة، إذ أيقنوا أنهم هالكون لا محالة، وأنهم صائرون إلى عذاب دائم في النار. فألقى الأتباع مسؤولية ما هم فيه على رؤسائهم في الكفر والضلال، ورد الرؤساء عليهم حجتهم بما جاء في الآية بعد.
ثم فصل طريق التساؤل، وكيف يحدث. فقال: ﴿قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا﴾؛ أي: قال الأتباع لرؤساء الضلال والكفر: إنكم كنتم تمنعوننا عن فعل الخير، وتصدوننا عن سلوك طريقه، وترغّبوننا فيما تديّنون به وتعتقدونه. ومن ثم أضللتمونا، وأوقعتمونا في الهلاك الذي نحن صائرون إليه لا محالة.
٢٩ - فرد الرؤساء عليهم، وأجابوهم بجوابين:
﴿قالُوا﴾ استئناف بياني، كأنه قيل: فماذا قال الرؤساء أو القرناء؟ فقيل: قالوا: ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: لم نمنعكم نحن من الإيمان بالقوة والقهر أو بغير ذلك، بل لم تؤمنوا باختياركم، وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه، وآثرتم الكفر عليه؛ أي: فردوا عليهم منكرين إضلالهم إياهم، قالوا: إننا ما أضللناكم بل أنتم
(٢) المراغي.