فعلنا باختيارنا، واقتضاه استعدادنا، فلا يلومنَّ كل منا إلا نفسه، ولا يلم بعضنا بعضا، ولا داعي إلى الجدل والخصام وشد النكير، فلا يجنى من الشوك العنب، ولا يعقب الضلال إلا النار عدلًا من ربنا، كما وعد بذلك على ألسنة رسله، وكنا بذلك عالمين، ولكنا كنا عن الخير معرضين، وعن اتباعه مستكبرين
٣٢ - ﴿فَأَغْوَيْناكُمْ﴾؛ أي: فدعوناكم إلى الغي والضلال، دعوة غير ملجئة، فاستجبتم لنا باختياركم الغي على الرشد ﴿إِنَّا كُنَّا غاوِينَ﴾؛ أي: ثابتين على الغواية، فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم بتلك المرتبة من الدعوة، لتكونوا أمثالنا في الغواية؛ أي: إنه لم يكن منا في شأنكم إلا حبنا أن تكونوا مثلنا. وهو غير ملزم لكم، وإنما أضركم سوء اختياركم، وقبح استعدادكم. وهو الذي جعل مصيركم ما تشاهدون من العذاب، الذي وعدتم به على ألسنة الرسل.
٣٣ - وبعد أن ذكر حالهم.. أعقبه بذكر العذاب الذي سيحل بهم جميعًا، رؤساء ومرؤوسين. فقال: ﴿فَإِنَّهُمْ﴾؛ أي: فإن الأتباع والمتبوعين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ يتساءلون، وهو يوم القيامة ﴿فِي الْعَذابِ﴾ متعلق بقوله: ﴿مُشْتَرِكُونَ﴾ حسبما كانوا مشتركين في الغواية؛ أي: فإن الفريقين المتسائلين حينئذ مشتركون في العذاب لا محالة، كما اشتركوا في الضلال والغواية وإن كان المغوون أشد عذابًا، لأنهم تحملوا أوزارهم وأوزارًا مثل أوزار من أضلوهم، كما ثبت في الحديث. وقد تقدم ذكره مرارًا.
٣٤ - ثم ذكر سبحانه، أن هذا عدل منه على مقتضى سننه، فقال: ﴿إِنَّا كَذلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الفعل البديع الذي تقتضيه الحكمة التشريعية. وهو الجمع بين الضالين والمضلين في العذاب. ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ المتناهين في الإجرام. وهم المشركون،
٣٥ - كما يعرب عنه التعليل بقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ بطريق الدعوة والتلقين بأن يقال لهم: قولوا: ﴿لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أي: يتكبرون، ويتعظمون عن القول بهذه الكلمة المشرّفة. ومحل ﴿يَسْتَكْبِرُونَ﴾ النصب على أنه خبر كان، أو الرفع على أنه خبر إن، وكان ملغاة.
والمعنى: أي إن مثل ذلك الجزاء العظيم نفعل بالمشركين، وفاقًا لما