﴿وَصَدَّقَ﴾؛ أي: محمد - ﷺ - ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ قبله جميعًا في مجيئهم بذلك. فما جاء به هو الذي أجمع عليه كافة الرسل، فأين الشعر والجنون من ساحته الرفيعة؟.
والمعنى: أي أنه - ﷺ - جاء بالحق الذي لا شك فيه، وهو التوحيد الذي يثبته العقل، ويؤيده البرهان، وبمثله جاء الأنبياء السابقون. فهو لم يكن بدعًا من بين الرسل، بل سار على شاكلتهم، واتبع نهجهم. فكيف يكون من هذه حاله شاعرًا أو مجنونًا؟!.
وقرأ عبد الله (١): ﴿وصدق﴾ بالتخفيف، ﴿المرسلون﴾ بالواو رفعا؛ أي: وصدق المرسلون في التبشير به، وفي أنه يأتي آخرهم.
٣٨ - ﴿إِنَّكُمْ﴾ بما فعلتم من الإشراك وتكذيب الرسول والاستكبار ﴿لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ﴾ والالتفات إلى الخطاب لإظهار كمال الغضب عليهم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لذائقو العذاب﴾ بحذف النون للإضافة، وأبو السمال وأبان عن ثعلبة عن عاصم بحذفها لالتقاء لام التعريف ونصب العذاب، كما حذف بعضهم التنوين لذلك في قراءة من قرأ ﴿أَحَدٌ اللَّهُ﴾. ونقل ابن عطية عن أبي السمال: أنه قرأ ﴿لذائق﴾ منوّنًا، ﴿العذاب﴾ بالنصب. ويخرّج على أن التقدير: جمع، وإلا لم يتطابق المفرد وضمير الجمع في ﴿إِنَّكُمْ﴾. وأنشد سيبويه في مثل هذه القراءة بالحذف للنون، والنصب للعذاب قول الشاعر:

فَأَلْفيْتُه غَيْرَ مُسْتَعتبٍ وَلا ذَاكِر اللهَ إِلّا قَلِيْلا
وقرىء ﴿لذائقون﴾ بالنون ﴿العذاب﴾ بالنصب. والمعنى؛ أي: إنكم أيها الكفار المجرمون لتذوقون العذاب الأليم، الذي لا تنفك أو جاعه عنكم، وما هو أبدًا بمزايلكم.
٣٩ - ثم بيّن العلة في لحوقه بهم، فقال: ﴿وَما تُجْزَوْنَ﴾ أيها الكفرة ﴿إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: إلا جزاء ما كنتم تعملونه من السيئات، أو إلا بما كنتم تعملونه
(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon