منها؛ أي: وما ينالكم من العذاب إنما هو نتيجة ما قدمتم من عمل وأسلفتم من معصية ﴿وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.
قال ابن الشيخ (١): ولما كان المقام مظنة أن يقال: كيف يليق بالكريم الرحيم المتعالي، عن النفع والضر أن يعذب عباده؟ أجاب عنه بقوله: ﴿وَما تُجْزَوْنَ...﴾ إلخ. وتقريره: أن الحكمة تقتضي الأمر بالخير والطاعة، والنهي عن القبيح والمعصية، ولا يكمل المقصود من الأمر والنهي إلا بالترغيب في الثواب والترهيب بالعقاب. ولما وقع الإخبار بذلك، وجب تحقيقه صونا للكلام عن الكذب. فلهذا السبب وقعوا في العذاب، انتهى. فعلى العاقل: أن يحذر من يوم القيامة وجزائه، فينتقل من الإنكار إلى الإقرار، ومن الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الباطل إلى الحق، ومن الفاني إلى الباقي، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص.
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما علامة المؤمن؟ قال: أربع: أن يطهر قلبه من الكبر والعداوة، وأن يطهر لسانه من الكذب والغيبة، وأن يطهر قلبه من الرياء والسمعة، وأن يطهر جوفه من الحرام والشبهة. وأعظم الكبر أن يتكبر عن قول: لا إله إلا الله الذي هو أساس الإيمان، وخير الأذكار.
٤٠ - وبعد أن أبان حال المجرمين، ذكر حال عباد الله المؤمنين العاملين، وما يلاقونه من الجزاء والنعيم. فقال: ﴿إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾ استثناء منقطع من ضمير ﴿ذائقون﴾، وما بينهما اعتراض، جيء به مسارعة إلى تحقيق الحق، ببيان أن ذوقهم العذاب ليس إلا من جهتهم، لا من جهة غيرهم أصلًا، ولكون الاستثناء منقطعا و «إلا» بمعنى لكن.
قال في «كشف الأسرار»: تم الكلام هاهنا؛ أي: عند قوله تعالى: ﴿إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. والمعنى: إنكم لذائقوا العذاب الأليم، لكن عباد الله المخلصين لا يذوقونه.