قرأ أهل المدينة والكوفة (١): ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ بفتح اللام، جمع مخلص بصيغة اسم المفعول، وهو من أخلصه الله واصطفاه لدينه وعبادته، واختاره لجناب حضرته كقوله تعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى﴾؛ أي: اصطفاهم الله تعالى، فلهم سلامة من الأزل إلى الأبد. وقرأ الباقون: بكسر اللام جمع مخلص على صيغة اسم الفاعل، وهو من أخلص عبادته لله تعالى، ولم يشرك بعبادته أحدًا كقوله تعالى: ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ﴾. وحقيقة (٢) الفرق بينهما على ما قال بعضهم: إن الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد، وهو من تخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقًا. والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد، وهو من تخلص من شوائب الغيرية أيضًا. والثاني أوسع فلكًا، وأكثر إحاطة. فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس. فرحم الله حفصا حيث قرأ بالفتح حيثما وقع في القرآن.
٤١ - وقوله: ﴿أُولئِكَ﴾ إشارة إلى المخلصين، وهو كلام مستأنف. فكأن (٣) سائلًا سأل ما لهؤلاء المخلصين من الأجر والثواب؟ فقيل: أولئك الممتازون عمن عداهم بالإضافة والإخلاص ﴿لَهُمْ﴾ بمقابلة إخلاصهم في العبودية ﴿رِزْقٌ﴾ لا يدانيه رزق، ولا يحيط به وصف على ما يفيده التنكير. والرزق اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان فيأكله، كما سيأتي. ﴿مَعْلُومٌ﴾ الخصائص من حسن المنظر، ولذة الطعم، وطيب الرائحة، ونحوها من نعوت الكمال.
والظاهر: أن معناه: معلوم وجودًا وقدرًا وحسنًا ولذة وطيبًا ووقتًا بكرة وعشيًا، أو دوامًا كل وقت اشتهوه. فإن فيه فراغ الخاطر. وإنما يضطرب أهل الدنيا في حق الرزق، لكون أرزاقهم غير معلومة لهم كما في الجنة.
٤٢ - ﴿فَواكِهُ﴾ بدل من ﴿رِزْقٌ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو فواكه، وهو الظاهر، جمع فاكهة. وهي الثمار كلها رطبها ويابسها. وتخصيصها بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه؛ أي: ما يؤكل بمجرد التلذذ دون الاقتيات؛ لأنهم مستغنون عن القوت
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.